كانا بلا حكمة. غافلين عن أنّ الدنيا إنّما هي دار إمتحان وابتلاء ، والله سبحانه وتعالى إنّما يمتحن البعض بالفقر كما يمتحن البعض الآخر بالغنى والثروة ، وربّما يضع الله الإنسان وفي وقتين مختلفين في بوتقة الامتحان الغنى والفقر ، وينظر هل يؤدّي الأمانة حال فقره ويتمتّع بمناعة الطبع ويلج مراتب الشكر اللائقة ، أم أنّه يطأ كلّ ذلك بقدمه ويمرّ؟ وفي حال الغنى هل ينفق ممّا تفضّل الله به عليه ، أم لا؟
ورغم أنّ البعض قد حصر الآية من حيث التطبيق في مجموعة خاصّة كاليهود ، أو المشركين في مكّة ، أو جميع الملاحدة الذين أنكروا الأديان الإلهيّة ، ولكن يبدو أنّ للآية مفهوما عامّا يمكن أن تكون له مصاديق في كلّ عصر وزمان ، وإن كان مصداقها حين نزولها هم اليهود أو المشركون فتلك ذريعة عامّة يتشبّثون بها على مرّ العصور ، وهي قولهم : إذا كان الله هو الرازق إذا لماذا تريدون منّا أن نعطي الفقراء من أموالنا؟ وإذا كان الله يريد أن يرى هؤلاء محرومين فلما ذا تريدون منّا إغناء من أراد الله حرمانه؟ غافلين عن أنّ نظام التكوين قد يوجب شيئا ، ويوجب نظام التشريع شيئا غيره.
فنظام التكوين ـ بإرادة الله ـ أوجب أن تكون الأرض بجميع مواهبها وعطاياها مسخّرة للبشر ، وأن يعطي البشر حريّة انتخاب الأعمال لطي طريق تكاملهم ، وفي نفس الوقت خلق الغرائز التي تتنازع الإنسان من كلّ جانب.
ونظام التشريع أوجب قوانين خاصّة للسيطرة على الغرائز وتهذيب النفوس ، وتربية الإنسان عن طريق الإيثار والتضحية والتسامح والإنفاق ، وذلك الإنسان الذي لديه الأهلية والاستعداد لأن يكون خليفة الله في الأرض ، إنّما يبلغ ذلك المقام الرفيع من هذا الطريق ، فبالزكاة تطهر النفوس ، وبالإنفاق ينتزع البخل من القلوب ، ويتحقّق التكافؤ ، وتقلّ الفواصل الطبقية التي تفرز آلاف العلل والمفاسد في المجتمعات.
وذلك تماما كما يقول شخص : لماذا ندرس؟ أو لماذا نعلّم غيرنا؟ فلو شاء الله