(وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) إشارة إلى الصنف الثاني ، وأمّا الصنف الثالث فهم مصداق قوله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) (١).
الآية التالية تنذر وتنبّه جميع المؤمنين فيما يخصّ مسألة وساوس الشيطان ومكائده والتي تعرّضت لها الآية السابقة فتقول : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا).
تلك العداوة التي شرع بها الشيطان من أوّل يوم خلق فيه آدم عليهالسلام ، وأقسم حين طرد من قرب الله وجواره بسبب عدم تسليمه للأمر الإلهي بالسجود لآدم ، أقسم وتوعّد بأن يسلك طريق العداء لآدم وبنيه ، وحتّى أنّه دعا من الله أن يمهله ويطيل في عمره لذلك الغرض.
وقد التزم بما قال ، ولم يفوّت أدنى فرصة لإبراز عدائه وإنزال الضربات بأفراد بني آدم ، فهل يصحّ منكم يا بني آدم أن لا تعتبروه عدوّا لكم ، أو أن تغفلوا عنه ولو لحظة واحدة ، فكيف الحال باتّباعه واقتفاء خطواته ، أو تعدونه وليّا شفيقا وصاحبا ناصحا (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) (٢).
مضافا إلى أنّه عدو يهاجم من كلّ طرف وجانب ، فهو نفسه «لعنه الله» يقول : على ما نقله القرآن الكريم : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ). (٣)
وهو يكمن لكم ويراكم ولا ترونه : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ).(٤)
ومع ذلك ، فهذا لا يعني أنّكم لا تقدرون على الدفاع عن أنفسكم أمام مكائده ووساوسه ، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلوات والسلام) : أنّ الله
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ، المجلّد ٢٦ ، ص ٥.
(٢) الكهف ، ٥٠.
(٣) الأعراف ، ١٧.
(٤) الأعراف ، ٢٧.