والجميل أنّ القرآن الكريم أجابه بجملة وجيزة مقتضبة وهي قوله تعالى : (وَنَسِيَ خَلْقَهُ). وإن كان قد أردف مضيفا توضيحا أكثر.
فكأنّه يقول : لو لم تنس بدء خلقك لما استدللت بهذا الاستدلال الواهي الفارغ أبدا.
أيّها الإنسان الكثير النسيان ، عد قليلا إلى الوراء وانظر في خلقك ، كيف كنت نطفة تافهة وكلّ يوم أنت في لبس جديد من مراحل الحياة ، فأنت في حال موت وبعث مستمرين ، فمن جماد أصبحت رجلا بالغا ، وبكميّة من عالم النبات الجامد ، ومن عالم الحيوان الميّت أيضا أصبحت إنسانا ، ولكنّك نسيت كلّ ذلك وصرت تسأل : من يحيي العظام وهي رميم؟ ألم تكن أنت في البدء ترابا كما هو حال هذه العظام بعد تفسّخها؟!
لذا فإنّ الله سبحانه وتعالى يأمر الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن يقول لهذا المغرور الأحمق الناسي (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ).
فإذا كان بين يديك اليوم بقيّة من العظام المتفسّخة تذكّرك به ، فقد مرّ يوم لم تكن فيه شيئا ولا حتّى ترابا ، نعم ، أفليس سهلا على من خلقك من العدم أن يعيد الحياة إلى العظام المهترئة؟!
وإذا كنت تعتقد بأنّ هذه العظام بعد تفسّخها تصبح ترابا وتنتشر في الأصقاع ، فمن يستطيع عند ذلك أن يجمع تلك الأجزاء المبعثرة من نقاط انتشارها؟ فإنّ الجواب على ذلك أيضا واضح : (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ).
فمن كان له مثل هذا (العلم) وهذه (القدرة) فإنّ مسألة المعاد وإحياء الموتى لا تشكّل بالنسبة إليه أيّة مشكلة. فنحن نستطيع بقطعة من «المغناطيس» جمع برادة الحديد المبثوثة في كميّة من التراب وفي لحظات ، والله العالم القادر يستطيع كذلك بأمر واحد أن يجمع ذرّات بدن الإنسان من كلّ موضع كانت فيه من الكرة الأرضية. فهو العالم ليس بخلق الإنسان فقط ، بل هو العالم بنواياه وأعماله أيضا ،