إنّ السعي لإبقاء أجسام الموتى عن طريق التحنيط ، وبناء المقابر الخالدة كأهرام مصر ، والجري وراء ما يسمّى بماء الحياة ودواء الشباب وما يطيل العمر ، كلّ ذلك دليل على عشق الإنسان لمفهوم البقاء.
فإذا كنّا قد خلقنا للفناء فما معنى حبّ البقاء سوى أنّها علاقة شاغلة بلا جدوى ولا فائدة.
لا تنسوا أنّنا نتابع البحث في مسألة المعاد بعد الاتّفاق على الإعتقاد بوجود الله الحكيم العالم ، ونحن نعتقد بأنّ كلّ ما خلقه الله سبحانه وتعالى في وجودنا إنّما هو وفقا لحساب وغرض ، وبناء عليه فإنّ عشق البقاء لا بدّ أن يكون له حساب خاصّ ، منسجم مع الخلق والعالم بعد الدنيا.
وبتعبير آخر : فلو أنّ نظام الخلق أوجد فينا عطشا. فإنّ ذلك دليل على أنّ للماء وجودا في العالم الخارجي ، كذلك فإنّ وجود الغريزة الجنسية والميل إلى الجنس الآخر يدلّل على وجود الجنس الآخر في العالم الخارجي ، وإلّا فإنّ الانجذاب بدون أن يكون له مدلول وموضوع خارجي لا يتّفق مع حكمة الخلق.
ومن جهة اخرى فعند ما نبحث في التأريخ البشري منذ أيّام نشأة ذلك التأريخ فإنّنا نجد دلائل كثيرة على الإعتقاد الراسخ لدى الإنسان بالحياة بعد الموت.
فالآثار التي وصلت إلينا من البشر الغابرين ـ وحتّى إنسان ما قبل التأريخ ـ وبالأخصّ طريقة دفن الموتى ، وكيفية بناء القبور ، وحتّى دفن الأشياء المختلفة مع الموتى ، كلّها دليل على ما ترسّخ في وجدانهم من الإعتقاد بالحياة بعد الموت.
«صاموئيل كنيك» أحد علماء النفس المعروفين يقول : «إنّ التحقيقات الدقيقة تشير إلى أنّ المجموعات البشرية الاولى على سطح الأرض ، كانت لهم اعتقادات معيّنة ، لأنّهم كانوا يلحدون موتاهم بطريقة معيّنة في الأرض ، ويضعون معهم وسائل وآلات أعمالهم التي كانوا يمارسونها قبل الموت إلى جانبهم ، وبهذه