يغطّ في بركة آسنة من التعاسة والشقاء.
والملفت للنظر أنّ القرآن عند ما يتساءل (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ...).
لا يتعرّض إلى ما يقابل ذلك صراحة ، وكأنّه يريد أن يفسح المجال أمام المستمع لكي يتصوّر أمورا مختلفة يمكنها أن تكون ما يقابل ذلك ويفهم أكثر وأكثر ، وكأنّه يريد أن يقول : هل أنّ شخصا كهذا هو كمن أبصر الحقيقة؟
هل أنّ شخصا كهذا كمن هو نقي القلب ومشغول دوما بمحاسبة نفسه؟.
وهل أنّ هناك أملا بالنجاة لهكذا شخص (١)؟.
ثمّ يضيف القرآن موضّحا علّة الفرق بين الفريقين فيقول : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ).
فإذا زيّنت الأعمال السيّئة بنظر المجموعة الاولى ، فإنّ ذلك نتيجة الإضلال الإلهي ، فالله سبحانه وتعالى هو الذي جعل تلك الخاصية في النفس البشرية عند تكرارها للأعمال السيّئة ، بأن تتطبّع عليها وتعتادها وتنسجم معها وتنطبع بطبيعتها.
وهو سبحانه الذي أعطى للمؤمنين الطاهري القلوب نفاذ البصر والبصيرة ، وسمعا واعيا لإدراك الحقائق كما هي.
وواضح أنّ هذه المشيئة الإلهيّة توأم لحكمته تعالى ، وإنّما تعطي لكلّ ما يناسبه.
لذا فإنّ الآية تضيف في الختام : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) وهذا التعبير يشابه ما ورد في الآية (٣) من من سورة الشعراء : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٢).
التعبير بـ «حسرات» الذي هو «مفعول لأجله» لما قبله في الجملة ، إشارة إلى أنّه ليس عندك عليهم حسرة واحدة ، بل حسرات :
__________________
(١) من هنا يتّضح أنّ في الآية جملة مقدّرة يمكن أن تكون «... كمن ليس كذلك ، أو كمن يحاسب نفسه ويرى سوء عمله سيّئا ... أو : هل يرجى له صلاح أو متاب» وهكذا.
(٢) ذكر أيضا لهذه الآية تفسير آخر ، وهو أنّ المقصود منها مخاطبة الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن لا يتألّم من شدّة أذى ومخالفات هؤلاء ، إذ أنّ الله مطّلع على أعمالهم تماما وسينتقم منهم في الوقت المناسب.