الحديث بالآية التالية والتي تسألهم عن عدم نصرتهم بعضهم البعض ، فهنا لا تبقى أيّة مشكلة في تفسير الآية ، ولكن هذا التّفسير لا يتطابق مع جاء في عدّة روايات بهذا الشأن ، إلّا إذا كان هذا السؤال جزء من أسئلة مختلفة.
على أيّة حال ، فعند ما يساق المجرمون إلى صراط الجحيم ، تكون أيديهم مقطوعة عن كلّ شيء وقاصرة عن تحصيل العون ، ويقال لهم : أنتم الذين كان أحدكم يلجأ إلى الآخر في المشكلات ويطلب العون منه ، لم لا ينصر بعضكم بعضا الآن (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ).
نعم ، فكلّ الدعائم التي تصوّرتم انّها دعامات مطمئنة في الدنيا أزيلت عنكم ، ولا يمكن أن يساعد بعضكم البعض ، كما أنّ آلهتكم ليسوا بقادرين على تقديم العون لكم ، لأنّهم عاجزون ومنشغلون بأنفسهم.
يقال أنّ (أبا جهل) نادى يوم معركة بدر «نحن جميع منتصر» ، والقرآن المجيد أعاد تكرار قوله في الآية (٤٤) من سورة القمر (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) فيوم القيامة يسأل أبو جهل وأمثاله : لماذا لا يسعى بعضكم لمساعدة البعض الآخر؟ ولكن لا يمتلكون أي جواب لهذا السؤال ، سوى سكوتهم الدالّ على ذلّتهم.
الآية التي تليها تضيف : إنّهم في ذلك اليوم مستسلمون لأوامر الله وخاضعون له ، ولا يمكنهم إظهار المخالفة أو الاعتراض (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) (١).
وهنا يبدأ كلّ واحد منهم بلوم الآخر ، ويسعى إلى إلقاء أوزاره على عاتق الآخر ، والتابعون يعتبرون رؤساءهم وأئمّتهم هم المقصّرون ، فيقابلونهم وجها لوجه ، ويبدأ كلّ منهم بسؤال الآخر ، كما تقول الآية : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ).
__________________
(١) (استسلام) من مادّة (السلامة) ولكونها من باب (استفعال) فهي بمعنى طلب السلامة والتي عادة تكون ملازمة للانقياد والخضوع في مقابل قوّة أعظم.