المؤمنين الذين كانوا في مكّة ـ آنذاك ـ محاصرين من قبل العدو من كلّ الجوانب.
ثمّ يضيف القرآن المجيد أنّ ضلالتهم لم تكن بسبب افتقادهم القائد وعدم موعظتهم (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ).
إذا أنّنا أرسلنا إليهم أنبياء لإنذارهم من خطر الشرك بالله والكفر به ، والظلم والاعتداء ، وتقليد الآخرين بصورة عمياء ، ولاطلاعهم على مسئولياتهم.
صحيح أنّ الرسل يحملون في يد رسالة الإنذار ، وفي الاخرى رسالة البشارة ، لكن الإنذار يشغل الجزء الأكبر من مواعظهم ونصائحهم ، خاصّة بالنسبة لمثل تلك الأمم الضالّة والعاصية ، ولهذا أكّد عليه هنا.
ثمّ يقول في عبارة قصيرة ذات معان عميقة (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ).
المخاطب في لفظة (فانظر) من الممكن أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو أي شخص عاقل يقظ. وفي الحقيقة إنّ هذه الآية المباركة تشير إلى نهاية أقوام سنستعرض أحوالها وأوضاعها بصورة مفصّلة في الآيات القادمة.
أمّا آخر آية في بحثنا فإنّها تستثني جماعة من العذاب الإلهي (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ).
الملاحظ أنّ هذه الآية تشير إلى عاقبة هذه الأمم ، وتدعو إلى التمعن في العذاب الأليم الذي ابتلوا به ، والذي أهلكهم وأبادهم جميعا ما عدا عباد الله المؤمنين والمخلصين الذين نجوا من هذا العذاب (١).
وجدير بالذكر أنّ كلمة (المخلصين) ـ بفتح اللام ـ كرّرت خمس مرّات ، وهذا بيان لعلو منزلتهم ومرتبتهم ، وكما أشرنا سابقا فإنّ عباد الله المخلصين هم الصفوة التي تسلّحت بالعلم والإيمان ، وانتصرت على النفس بعد مجاهدتها ، وهم الذين أخلصهم الله لنفسه وأزال عنهم الشوائب ليجعلهم خالصين ، ولهذا فإنّهم يمتلكون
__________________
(١) هذه الجملة استثناء من محذوف يفهم من المذكور ، تقديره هكذا : فانظر كيف كان عاقبة المنذرين فإنّا أهلكناهم جميعا إلّا عباد الله المخلصين.