هذا الدعاء يمكن أن يكون إشارة إلى الدعاء الذي ورد في سورة نوح (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً). (١)
أو إشارة إلى الدعاء الذي دعا به الله أثناء صعوده السفينة (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ). (٢)
أو أنّه إشارة إلى الدعاء الذي جاء في الآية ١٠ من سورة القمر : (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ).
وبالطبع فإنّه ليس هناك أي مانع من أن تكون الآية تشير إلى كلّ هذه الأدعية ، وإنّ الله سبحانه وتعالى استجابها بأحسن وجه.
ولذا فإنّ الله سبحانه وتعالى يجيبه في الآية التي تليها بالقول : (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) (٣).
فما هو هذا الغمّ الذي وصفته الآية المباركة بأنّه غمّ كبير آلم نوحا بشدّة؟
يمكن أن يكون ذلك الغمّ نتيجة استهزاء قومه الكافرين المغرورين به ، وتجريحهم إيّاه بكلمات نابية وساخرة تستهدف إهانته وأتباعه المؤمنين ، أو نتيجة تكذيب قومه اللجوجين إيّاه ، إذ كانوا يقولون له أحيانا : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا). (٤)
وأحيانا اخرى يقولون له : (يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ). (٥)
__________________
(١) سورة نوح ، الآيات ٢٦ و ٢٧.
(٢) سورة المؤمنون ، الآية ٢٩.
(٣) (كرب) طبق قول الراغب في مفرداته هي : الغم الشديد ، ووصفه هنا بالعظيم للتأكيد أكثر على هذا المعنى.
(٤) سورة هود ، الآية ٢٧.
(٥) سورة هود ، الآية ٣٢.