يفتخر به في العالمين (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ).
نعم ، فهل هناك فخر أكبر من هذا ، وهو أنّ الله يبعث بالسلام والتحيّات لنبيّه نوح ، السلام الذي سيبقى يهدى إليه من قبل الأمم الإنسانية لحين قيام الساعة ، والملفت للنظر أنّه من النادر أن يوجد في القرآن سلام بهذه السعة على أحد ، خاصّة وأنّ المراد بالعالمين جميعها لكونه جمعا محلّى بالألف واللام (مفيدا للعموم) فيتّسع المعنى ليشمل عوالم البشر وأممهم وجماعاتهم إلى يوم القيامة ويتعدّاهم إلى عوالم الملائكة والملكوتين.
ولكي تكون خصوصيات نوح عليهالسلام مصدر إشعاع للآخرين ، أضاف القرآن الكريم (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ). و (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ).
في الحقيقة ، إنّ درجة عبودية نوح لله وإيمانه به ـ إضافة إلى إحسانه وعمله الصالح الذي ذكرته الآيتان الأخيرتان ـ كانت السبب الرئيسي وراء اللطف الإلهي الذي شمل نوحا وأنقذه من الغمّ الكبير ، وبعث إليه بالسلام ، السلام الذي يمكن أن يشمل كلّ من عمل بما عمل به نوح ، لأنّ معايير الألطاف الإلهيّة لا تتخلّف ، ولا تختّص بشخص دون آخر.
أمّا الآية الأخيرة في بحثنا فقد وضّحت بعبارة قصيرة شديدة اللهجة مصير تلك الامّة الظالمة الشريرة الحاقدة (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ).
إذ انهمر المطر سيلا من السماء ، وتفجّرت الأرض عيونا ، وغطّت المياه اليابسة كبحر هائج دكّ بأمواجه المتلاطمة الشامخة عروش الطغاة ودمّرها ، لافظا إيّاهم بعدئذ أجسادا هامدة لا حياة فيها ولا روح.
والذي يلفت النظر أنّ الله سبحانه وتعالى استعرض ألطافه على نوح في عدّة آيات ، فيما بيّن عذابه لقوم نوح العاصين في عبارة واحدة قصيرة يرافقها التحقير وعدم الاهتمام بهم ، لأنّ حالة نصر المؤمنين وعزّتهم وتأييد الباري سبحانه لهم جديرة بالتوضيح ، وبيان حال المعاندين والعاصين لا يجدر بالاهتمام والاعتناء.
* * *