وعشيرته (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ) ، ما هذه الأشياء التي تعبدونها؟
أليس من المؤسف على الإنسان الذي كرّمه الله على سائر المخلوقات ، وأعطاه العقل أن يعظّم قطعة من الحجر والخشب العديم الفائدة؟ أين عقولكم؟
ثمّ يكمل العبارة السابقة التي كان فيها تحقير واضح للأصنام ، ويقول : (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) (١).
استخدام كلمة (إفك) في هذه الآية ، والتي تعني الكذب العظيم أو القبيح ، توضّح حزم وقاطعية إبراهيم عليهالسلام بشأن الأصنام.
واختتم كلامه في هذا المقطع بعبارة عنيفة (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) إذ تأكلون ما يرزقكم به يوميّا ، ونعمه تحيط بكم من كلّ جانب ، ورغم هذا تقصدون موجودات لا قيمة لها من دون الله ، فهل تتوقّعون أنّه سيرحمكم وسوف لا يعذّبكم بأشدّ العذاب؟ كم هو خطأ كبير وضلال خطير؟!
عبارة (بِرَبِّ الْعالَمِينَ) تشير إلى أنّ كلّ العالم يدور في ظلّ ربوبيته تبارك وتعالى ، وقد تركتموه واتّجهتم صوب مجموعة من الظنون والأوهام الفارغة.
وجاء في كتب التأريخ والتّفسير ، أنّ عبدة الأصنام في مدينة بابل كان لهم عيد يحتفلون به سنويا ، يهيّئون فيه الطعام داخل معابدهم ، ثمّ يضعونه بين يدي آلهتهم لتباركه ، ثمّ يخرجون جميعا إلى خارج المدينة ، وفي آخر اليوم يعودون إلى معابدهم لتناول الطعام والشراب.
وبذلك خلت المدينة من سكّانها ، فاستغلّ إبراهيم عليهالسلام هذه الفرصة الجيّدة لتحطيم الأصنام ، الفرصة التي كان إبراهيم عليهالسلام ينتظرها منذ فترة طويلة ، ولم يكن راغبا في إضاعتها.
وحين دعاه قومه ليلا للمشاركة في مراسمهم نظر إلى النجوم (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي
__________________
(١) في تركيب هذه الجملة ذكر المفسرون احتمالين : الأول : أن (إفكا) مفعول بـ لـ (تريدون) و (آلهة) بدله ، والآخر : أن (آلهة) مفعول به و (إفكا) مفعول لأجله تقدم للأهمية.