فالمعبود يجب أن يكون خالق الإنسان ، وليس صنيعة يده ، من الآن فكّروا واعرفوا معبودكم الحقيقي (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ).
فهو خالق الأرض والسماء ، ومالك الوقت والزمان ، ويجب السجود لهذا الخالق وحمده وعبادته.
إنّ هذه الحجّة كانت من الوضوح والقوّة إلى حدّ جعلتهم يقفون أمامها مبهوتين وغير قادرين على ردّها ودحضها.
و (ما) في عبارة (ما تَعْمَلُونَ) هي (ما) الموصولة وليست (ما) المصدرية ، ومنها يراد القول ، إنّ الله خلقكم وكذلك ما تصنعون ، وعند ما يقال : إنّ الأصنام هي من صنع أو أعمل الإنسان ، فذلك يعني أنّ الإنسان أعطاها الشكل فقط ، وإلّا فالمادّة التي تصنع منها الأصنام هي من خلق الله أيضا.
صحيح ما يقال من أنّ هذه السجّادة وذلك البيت وتلك السيارة هي من صنع الإنسان ، ولكن المراد ليس أنّ الإنسان هو الذي خلق المواد الأوّلية لتلك الأشياء ، وإنّما الإنسان صاغ تلك المواد الأوّلية بشكل معيّن.
أمّا إذا اعتبرنا (ما) مصدرية ، فالعبارة تعني ما يلي : إنّ الله خلقكم وأعمالكم.
وبالطبع فإنّ المعنى هذا ليس خطأ ، وعلى خلاف ما يظنّه البعض ليس فيه ما يدلّ على الجبر ، لأنّ الأعمال التي نقوم بها رغم أنّها تتمّ بإرادتنا ، إلّا أنّ إرادة وقدرة التصميم وغيرها من القوى التي تنفذ من خلالها أفعالنا كلّها من الله سبحانه وتعالى ، وبهذا الشكل فإنّ الآية لا تقصد هذا الأمر ، وإنّما تقصد الأصنام ، وتقول : إنّ الله خلقكم أنتم والأصنام التي صنعتموها وصقلتموها. وجمال هذا الحديث يتجسّد هنا ، لأنّ البحث يخصّ الأصنام ولا يخصّ أعمال البشر.
في الحقيقة إنّ موضوع هذه الآية يشبه الموضوع الذي ورد في قصّة موسى والسحرة والتي تقول : (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (١) ، فالمقصود هنا الأفعى التي هي
__________________
(١) الأعراف ، ١١٧.