واسع وطيبة نفس ، وبصراحة واضحة قال لوالده : (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ).
ولا تفكّر في أمري ، فانّك (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
فما أعظم كلمات الأب والابن وكم تخفي في بواطنها من الأمور الدقيقة والمعاني العميقة؟!
فمن جهة ، الأب يصارح ولده البالغ من العمر (١٣) عاما بقضيّة الذبح ، ويطلب منه إعطاء رأيه فيها ، حيث جعله هنا شخصيّة مستقلّة حرّة الإرادة.
فإبراهيم لم يقصد أبدا خداع ولده ، ودعوته إلى ساحة الامتحان العسير بصورة عمياء ، بل رغب بإشراكه في هذا الجهاد الكبير ضدّ النفس ، وجعله يستشعر حلاوة لذّة التسليم لأمر الله والرضى به ، كما استشعر حلاوتها هو.
ومن جهة اخرى ، عمد الابن إلى ترسيخ عزم وتصميم والده في تنفيذ ما أمر به ، إذ لم يقل له : اذبحني ، وإنّما قال له : افعل ما أنت مأمور به ، فإنّني مستسلم لهذا الأمر ، وخاصّة أنّه خاطب أباه بكلمة (يا أَبَتِ) كي يوضّح أنّ هذه القضيّة لا تقلّل من عاطفة الابن تجاه أبيه ولو بمقدار ذرّة ، وأنّ أمر الله هو فوق كلّ شيء.
ومن جهة ثالثة ، أظهر أدبا رفيعا اتّجاه الله سبحانه وتعالى ، وأن لا يعتمد أحد على إيمانه وإرادته وتصميمه فقط ، وإنّما يعتمد على إرادة ومشيئة الله ، وبعبارة اخرى : أن يطلب توفيق الاستعانة والاستقامة من الله.
وبهذا الشكل يجتاز الأب وابنه المرحلة الاولى من هذا الامتحان الصعب بانتصار كامل.
ماذا يدور في هذا الوسط؟ القرآن الكريم لم يفصل مجريات الحدث ، وركّز فقط على النقاط الحسّاسة في هذه القصّة العجيبة.
كتب البعض : إنّ إسماعيل ساعد والده في تنفيذ هذا الأمر الإلهي ، وعمل على تقليل ألم وحزن والدته.
فعند ما أخذه والده للذبح وسط الجبال الجرداء والحارقة في أرض (منى) قال