الفعل عند ما يأتي بصورة مطلقة ومن دون أي قيد أو شرط ، فإنّه يعطي معنى عاما ، فبهذا تكون البركة شاملة لكلّ شيء ، في الحياة ، في الأجيال القادمة ، في التأريخ ، والرسالة ، وفي كلّ شيء.
فكلمة (بركة) مشتقّة من (برك) على وزن (درك) وتعني صدر البعير ، وعند ما يضع صدره على الأرض يقال (برك البعير).
وتدريجيّا أعطت هذه الكلمة معنى الثبات وبقاء شيء ما ، ولهذا يطلق على المكان الذي فيه ماء ثابت ومستقر (بركة) في حين يقال لمّا كان خيره باقيا وثابتا مبارك.
ومن هنا يتّضح أنّ الآية مورد بحثنا تشير إلى ثبات ودوام النعم الإلهيّة على إبراهيم وإسحاق وعلى اسرتهم ، وإحدى البركات التي أنعم الله بها على إبراهيم وإسحاق أن جعل كلّ أنبياء بني إسرائيل من ذريّة إسحاق ، في حين أنّ نبي الإسلام العظيم هو من ذريّة إسماعيل.
وهذه البركات لا تشمل كلّ أفراد عائلة إبراهيم وعشيرته ، وإنّما تشمل ـ فقط ـ المؤمنين والمحسنين منهم ، إذ تقول الآية في آخرها (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ).
كلمة (محسن) جاءت هنا بمعنى المؤمن والمطيع لله ، وهل يتصوّر أنّ هناك إحسان وعمل حسن أرفع من هذا؟
و (ظالم) جاءت هنا بمعنى الكافر والمذنب.
وعبارة (لنفسه) إشارة إلى الكفر وارتكاب الذنوب يعدّ أوّلا ظلم للنفس ، الظلم الواضح والمكشوف.
فالآية المذكورة أعلاه تجيب اليهود والنصارى الذين افتخروا بكونهم من أبناء الأنبياء ، وتقول لهم : إنّ صلة القربى لوحدها ليست مدعاة للافتخار ، إن لم ترافقها