إنّنا لا نعلم كم أمضى يونس من الوقت في بطن الحوت ، فمن المسلّم به أنّه لا يمكن تجنّب المؤثّرات هناك مهما كانت الفترة الزمينة التي قضاها في بطن الحوت ، صحيح أنّ الأمر الإلهي كان قد صدر في أن لا يهضم يونس داخل بطن الحوت ، ولكن هذا لا يعني أن لا يتأثّر بعض الشيء بمؤثّرات ذلك السجن ، لذا فقد كتب بعض المفسّرون أنّ يونس خرج من بطن الحوت وكأنّه فرخ دجاجة ضعيف وهزيل جدّا لا يمتلك القدرة على الحركة.
مرّة اخرى شمله اللطف الإلهي ، لأنّ جسمه كان مريضا ومتعبا ، وكلّ عضو من أعضاء جسمه كان مرهقا وعاجزا ، وكانت حرارة الشمس تؤذيه ، فيحتاج إلى ظلّ لطيف يظلّل جسده. والقرآن هنا يكشف عن هذا اللطف الإلهي بالقول ، إنّنا أنبتنا عليه شجرة قرع ليستظلّ بأوراقها العريضة والرطبة (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ).
(اليقطين) تعني ـ كما قال أصحاب اللغة والتّفسير ـ كلّ نبات لا ساق له وله أوراق كبيرة ، مثل نبات البطّيخ والقرع والخيار وما يشابهها. ولكن الكثير من المفسّرين ورواة الحديث أعلنوا بأنّ المقصود من (اليقطين) هو (القرع) ، والذي يجب الالتفات إليه أنّ كلمة «الشجرة» في اللغة العربية تطلق على النباتات التي لها ساق وأغصان والتي ليس لها ساق وأغصان ، وبعبارة اخرى : تشمل كلّ الأشجار والنباتات ، ونقلوا حديثا لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قالوا فيه : إنّ شخصا سأل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّك تحبّ القرع؟ فأجاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أجل هي شجرة أخي يونس» (١).
وقيل : إنّ أوراق شجرة القرع ، إضافة إلى أنّها كانت كبيرة ورطبة جدّا ويمكن الاستفادة منها كظلّ جيّد ، فإنّ الذباب لا يتجمّع حول هذه الأوراق ، ولهذا فإنّ يونس عليهالسلام التصق بتلك الأوراق كي يرتاح من حرقة الشمس ومن الحشرات في
__________________
(١) روح المعاني ، المجلّد ٧ ، الصفحة ٤٨٩.