فداود ـ مع هذه القدرة العظيمة التي منحها إيّاه ربّ العالمين ـ لم يسلّم من تجريح الآخرين وبذاءة لسانهم ، وفي هذا الكلام مواساة للنبي الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم في أنّ هذه المسألة لا تنحصر بك فقط ، وإنّما شاركك فيها كبار الأنبياء عليهمالسلام.
ففي البداية تقول آيات بحثنا : (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
«الأيد» بمعنى القدرة ، وتأتي أيضا بمعنى النعمة.
وقد توفّر المعنيان المذكوران أعلاه في داود ، إذ كان يتمتّع بقوّة جسدية مكّنته من أن يقتل الطاغية جالوت بضربة قويّة واحدة بواسطة حجر رماه من مقلاعه على جالوت ، فأسقطه من فرسه مضرّجا بدمه خلال إحدى المعارك.
وقال البعض : إنّ الحجر مزّق صدر جالوت وخرج من ظهره.
أمّا من حيث قدرته السياسية ، فقد كانت حكومته قويّة ومستعدّة دائما لمواجهة الأعداء ، بكلّ قوّة واقتدار ، حتّى قيل أنّ الآلاف من جنده كانت تقف على أهبّة الاستعداد من المساء حتّى الصباح في أطراف محراب عبادته.
ومن حيث قدرته الأخلاقية والمعنوية والعبادية ، فإنّه كان يقوم معظم الليل في عبادة الله ، ويصوم نصف أيّام السنة.
وأمّا من حيث النعم الإلهيّة ، فقد أنعم عليه البارئ عزوجل بالكثير من النعم الظاهرية والباطنية.
خلاصة الحديث ، إنّ داود كان رجلا ذا قوّة وقدرة في الحروب والعبادات والعلم والمعرفة وفي السياسة ، وكان أيضا صاحب نعمة كبيرة (١).
«أوّاب» مشتقّة من (أوب) على وزن (قول) وتعني العودة الاختيارية إلى أمر ما ، ولكون (أوّاب) على صيغة المبالغة ، فإنّها تشير إلى أنّه كان كثيرا ما يعود إلى الله سبحانه وتعالى ، وكان يتوب عن أصغر غفلة وترك للأولى.
__________________
(١) (أيد) جمع (يد) ، وقد استعملت هنا لكونها مظهر القوّة والنعمة والملك ، وقد حملت كلّ هذه المعاني هنا.