بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ).
وهذا الأمر ليس بجديد ، إذ أنّ الكثير من الأصدقاء والمخالطين بعضهم لبعض يبغي على صاحبه ، إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهم قلّة : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) (١) (٢).
نعم فالأشخاص الذين يراعون بصورة كاملة في معاشرتهم وصداقتهم الطرف المقابل ، ولا يعتدون عليه أدنى اعتداء ويؤدّون حقوق أصدقائهم ومعارفهم بصورة كاملة قليلون جدّا ، وهم المتزوّدون بالإيمان والعمل الصالح.
على أيّة حال ، فالظاهر أنّ طرفي الخصام اقتنعا بكلام داود عليهالسلام وغادرا المكان.
ولكن داود غرق في التفكير بعد مغادرتهما ، رغم أنّه كان يعتقد أنّه قضى بالعدل بين المتخاصمين ، فلو كان الطرف الثاني مخالفا لادّعاءات الطرف الأوّل ـ أي المدّعي ـ لكان قد اعترض عليه ، إذن فسكوته هو خير دليل على أنّ القضيّة هي كما طرحها المدّعي.
ولكن آداب مجلس القضاء تفرض على داود أن يتريّث في إصدار الأحكام ولا يتعجّل في إصدارها ، وكان عليه أن يسأل الطرف الثاني أيضا ثمّ يحكم بينهما ، فلذا ندم كثيرا على عمله هذا ، وظنّ أنّما فتنة الباري عزوجل بهذه الحادثة (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ).
وهنا أدركته طبيعته ، وهي أنّه أوّاب ، إذ طلب العفو والمغفرة من ربّه وخرّ راكعا
__________________
(١) «خلطاء» جمع (خليط) وتعني الأشخاص أو الأشياء المخلوطة بعضها مع بعض ، كما تطلق على الصديق والشريك والجار ، ورغم أنّ الظلم والاعتداء لم يختصّ بالخلطاء ، إلّا أنّ ذكر هذه المجموعة بسبب وجود الاتّصالات المتكرّرة فيما بينهم ، واحتمال حدوث سوء تفاهم فيما بينهم ، أو بسبب عدم توقّع حدوث أي ظلم وطغيان من قبل أولئك.
(٢) تركيب الجملة هكذا (هم) مبتدأ و (قليل) خبر إنّ و (ما) زائدة وردت هنا للمبالغة في القليل.