وضحت مقامه الرفيع ، إذ تقول : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ).
محتوى هذه الآية التي تتحدّث عن مقام داود الرفيع والوظائف المهمّة التي كلّف بها ، تبيّن أنّ القصص الخيالية والكاذبة التي نسجت بشأن زواج داود من زوجة (أوريا) كلّها كاذبة ولا أساس لها من الصحّة.
فهل يمكن أن ينتخب الباري عزوجل شخصا ينظر إلى شرف المؤمنين والمقرّبين منه بعين خؤونة ويلوّث يده بدم الأبرياء ـ خليفة له في الأرض ، ويمنحه حكم القضاء المطلق؟!
هذه الآية تضمّ خمس جمل كلّ واحدة منها تتحدّث عن حقيقة معيّنة :
الاولى : خلافة داود في الأرض ، فهل المقصود منها خلافته للأنبياء السابقين ، أمّ أنّها تعني خلافة الله؟ المعنى الثاني أنسب ويتطابق مع ما جاء في الآية (٣٠) من سورة البقرة : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً).
بالطبع فإنّ المعنى الواقعي للخلافة لا يتعلّق بالله ، لأنّه يأتي في مورد وفاة شخص أو غيابه ، والمراد من الخلافة هنا هو أن يكون نائبا لله بين العباد ، والمنفّذ لأوامر الله سبحانه وتعالى في الأرض. هذه الجملة تبيّن أنّ الحكومة في الأرض يجب أن تستلهم شرعيّتها من الحكومة الإلهيّة ، وأي حكومة لا تستلهم شرعيتها من الحكومة الإلهيّة فإنّها حكومة ظالمة وغاصبة.
الجملة الثانية : تأمر داود قائلة : بعد أن منحك الله سبحانه وتعالى هذه النعمة الكبيرة ، أي الخلافة ، فإنّك مكلّف بأن تحكم بين الناس بالحقّ (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ).
وفي واقع الأمر فإنّ إحدى ثمار خلافة الله هي ظهور حكومة تحكّم بالحقّ ، ومن هذه الجملة يمكن القول أنّ حكومة الحقّ تنشأ ـ فقط ـ عن خلافة الله ، وأنّها