العالم من دون هدف ، فالعالم هذا مقدّمة لعالم آخر أكبر وأوسع من عالمنا هذا ، وهو أبدي وخالد يوضّح الأهداف الحقيقيّة وراء خلق عالم الدنيا.
الآية التالية تضيف : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (١).
كما أنّ عدم وجود هدف من خلق العالم يعدّ أمرا مستحيلا ، فمن المستحيل أيضا المساواة بين الصالحين والطالحين ، لأنّ المجموعة الاولى كانت تخطو خطواتها وفق أهداف خلق العالم للوصول إلى الغاية النهائية ، بينما كانت المجموعة الثانية تسير باتّجاه مخالف لمسير المجموعة الاولى.
الواقع أنّ بحث المعاد بكافّة أبعاده قد تمّ تناوله في هذه الآية والآية التي سبقتها بشكل مستدلّ.
فمن جهة تقول : إنّ حكمة الخالق تقتضي أن يكون لخلق العالم هدف ، وهذا الهدف لا يتحقّق بعدم وجود عالم آخر ، لأنّ الأيّام القلائل التي يعيشها الإنسان في هذه الدنيا لا قيمة لها بالنسبة للهدف الرئيسي الكامن وراء خلق هذا العالم الواسع.
ومن جهة اخرى ، فإنّ حكمة وعدالة الباري عزوجل تفرض أن لا يتساوى المحسن والمسيء والعادل والظالم ، ولهذا كان البعث والثواب والعقاب والجنّة والنار.
وبغضّ النظر عن هذا ، فعند ما ننظر إلى ساحة المجتمع الإنساني في هذه الدنيا نشاهد الفاجر في مرتبة المؤمن ، والمسيء إلى جانب المحسن ، ولربّما في أكثر الأحيان نرى المفسدين المذنبين يعيشون في حالة من الرفاه والتنعّم أكثر من غيرهم ، فإذا لم يكن هناك عالم آخر بعد عالمنا هذا لتطبيق العدالة هناك ، فإن
__________________
(١) بعض المفسّرين قالوا : إنّ (أمّ) هنا تعطي معنى (بل) للاضراب ، وهنا احتمال آخر يقول : إنّ (أم) جاءت للعطف على استفهام محذوف ، وتقدير الآية هو (أخلقنا السموات والأرض باطلا أم نجعل المتّقين كالفجّار؟).