تسخير الموجودات المتمردة ووضعها تحت تصرّف سليمان لتنجز له بعض الأعمال التي يحتاجها (وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) (١).
أي إنّ مجموعة منها منشغلة في البرّ ببناء ما يحتاج إليه سليمان من أبنية ، واخرى منشغلة بالغوص في البحر.
وبهذا الشكل فإنّ الله وضع تحت تصرّف سليمان قوّة مستعدّة لتنفيذ ما يحتاج إليه ، فالشياطين ـ التي من طبيعتها التمرّد والعصيان ـ سخّرت لسليمان لتبني له ، ولتستخرج المواد الثمينة من البحر.
ومسألة تسخير الشياطين لسليمان وتنفيذها لما يحتاج إليه ، لم ترد في هذه الآية فقط ، وإنّما وردت في عدّة آيات من آيات القرآن المجيد ، ولكن في بعض الآيات ـ كالآية التي هي مورد بحثنا والآية (٨٢) من سورة الأنبياء استخدمت كلمة (الشياطين) فيها ، فيما استخدمت كلمة (الجنّ) في الآية (١٢) من سورة سبأ.
وكما قلنا سابقا فإنّ (الجنّ) موجودات مخفية عن أنظارنا ، ولها عقول وشعور وقدرة ، وبعضها مؤمن وبعضها الآخر كافر ، ولا يوجد هناك أي مانع من أن توضع ـ بأمر من الله ـ تحت تصرّف بعض الأنبياء ، لتنجز له بعض الأعمال.
وهناك احتمال وارد أيضا ، وهو أنّ كلمة الشياطين لها معنى واسع قد يشمل حتّى العصاة من البشر ، وقد استخدم هذا المعنى في الآية (١١٢) من سورة الأنعام ، وبهذا الترتيب فإنّ الله سبحانه وتعالى منح سليمان قوّة جعلت حتّى المتمردّين العصاة ينصاعون لأوامره.
٣ ـ النعمة الاخرى التي أنعمها الباري عزوجل على سليمان ، هي سيطرته على مجموعة من القوى التخريبيّة ، لأنّ هناك من بين الشياطين من لا فائدة فيه ، ولا سبيل أمام سليمان سوى تكبيلهم بالسلاسل ، كي يبقى المجتمع في أمان من
__________________
(١) (الشياطين) معطوفة على (الريح) والتي هي مفعول (سخّرنا) ، و (كلّ بنّاء وغوّاص) بدل من الشياطين.