حقّا إنّ شماتة أصحابه كانت أكثر ألما عليه من أيّة مصيبة اخرى حلّت به ، ورغم هذا لم يفقد أيّوب صبره ، ولم يلوّث شكره الصافي كالماء الزلال بالكفر ، وإنّما توجّه إلى البارئ عزوجل وذكر العبارة التي ذكرناها آنفا ، أي قوله تعالى : (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) ولكونه خرج من الامتحان الإلهي بنتيجة جيّدة ، فتح الباري عزوجل ـ مرّة اخرى ـ أبواب رحمته على عبده الصابر المتحمّل أيّوب ، وأعاد عليه النعم التي افتقدها الواحدة تلو الاخرى ، لا بل أكثر ممّا كان يمتلك من المال والزرع والغنم والأولاد ، وذلك كي يفهم الجميع العاقبة الحسنة للصبر والتحمّل والشكر.
بعض كبار المفسّرين ، احتملوا أنّ الوساوس التي وسوس بها الشيطان في قلب أيّوب هي المقصودة من أذى وعذاب الشيطان لأيّوب ، إذ كان يقول له أحيانا : لقد طالت فترة مرضك ، ويبدو أنّ ربّك قد نسيك!
وأحيانا كان يقول له : ما زلت تشكر الله رغم أنّه أخذ منك النعم العظيمة والسلامة والقوّة والقدرة!
يحتمل أنّهم ذكروا هذا التّفسير لكونهم يستبعدون إمكانية تسلّط الشيطان على الأنبياء كأيّوب ، ولكن مع الانتباه إلى أنّ هذه السلطة : أوّلا : كانت بأمر من الله.
وثانيا : محدودة ومؤقتة. وثالثا : لامتحان هذا النّبي الكبير ورفع شأنه ، فلا إشكال في ذلك.
على أيّة حال ، قيل : إنّ فترة ألمه وعذابه ومرضه كانت سبع سنين ، وفي رواية اخرى قيل : إنّها كانت (١٨) سنة ، وحالته وصلت إلى حدّ بحيث تركه أصحابه وحتّى أقرب المقربين إليه ، عدا زوجته التي صمدت معه وأظهرت وفاءها له. وهذا شاهد على وفاء بعض الزوجات!
وأشدّ ما آذى وآلم روح أيّوب عليهالسلام من بين ذلك الأذى والعذاب الذي مرّ به ، هو شماتة أعدائه ، لذا فقد جاء في إحدى الروايات أنّ أيّوب عليهالسلام سئل بعد ما عافاه