وقد استندت جماعة من الوهّابيين المعروفين بجمودهم الفكري على هذا التوهّم الباطل ، وبالتمسّك بظواهر الآيات القرآنية ، دون الاهتمام بمحتواها العميق ، أو الالتفات إلى الأحاديث الشريفة الكثيرة الواردة في هذا المجال ، سعوا إلى نفي وردّ مفهوم «التوسّل» وإثبات بطلانه.
الجواب على هذا السؤال أيضا يتّضح ممّا ذكرناه كمقدّمة في الإجابة على السؤال الأوّل ، من أنّ التعامل مع الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وأولياء الله يختلف عنه مع الآخرين ، فهؤلاء كالشهداء (بل إنّهم يحتلّون الصفّ الأوّل أمام الشهداء) وهم أحياء وخالدون ، وهم مصداق لقوله : (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ، وبأمر من الله فإنّهم يحتفظون بارتباطهم بهذا العالم ، كما أنّهم يستطيعون وهم في هذه الدنيا أن يتّصلوا بالموتى ـ كما في حالة قتلى بدر ـ.
استنادا إلى ذلك نقرأ في روايات كثيرة وردت في كتب الفريقين أنّ الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام يسمعون سلام من يسلّم عليهم سواء كان قريبا أو بعيدا ، بل إنّ أعمال الامّة تعرض عليهم (١).
الجدير بالملاحظة أنّنا مأمورون بالسلام على الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في التشهّد الأخير للصلوات اليومية ، وهذا إعتقاد المسلمين عامّة ، أعمّ من كونهم شيعة أو سنّة ، فكيف يمكن مخاطبة من لا يمكنه السماع أصلا؟
كذلك وردت روايات متعدّدة في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ، عن الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «لقّنوا موتاكم لا إله إلّا الله» (٢).
كذلك وردت الإشارة في نهج البلاغة إلى مسألة الارتباط مع أرواح الموتى ، فعند ما كان أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه قال راجعا من صفّين أشرف
__________________
(١) كشف الارتياب ، ص ١٠٩ ـ كذلك فقد أشرنا إلى روايات (عرض الأعمال) عند تفسير الآية (١٠٥) من سورة التوبة ـ راجع المجلّد السادس من هذا التّفسير.
(٢) صحيح مسلم ، كتاب الجنائز ، حديث ١ و ٢ (المجلّد ٢ ، صفحة ٦٣١).