اخرى ، يكون سببا لتشخيص الطرق وعدم الضياع فيما بين طرقها المليئة بالالتواءات والانحدارات ، وأخيرا فهو دليل على أنّ الله على كلّ شيء قدير.
«جدد» جمع «جدّة» ـ على وزن غدّة ـ بمعنى الجادّة والطريق.
«بيض» جمع «أبيض» كما أنّ «حمر» جمع «أحمر» وهو إشارة إلى الألوان.
«غرابيب» جمع «غربيب» ـ على وزن كبريت ـ وهو المشبّه للغراب في السواد ، كقولك أسود كحلك الغراب. وعليه فإنّ ذكر كلمة «سود» بعدها والتي هي أيضا جمع «أسود» تأكيد على شدّة وحلك السواد في بعض الطرق الجبلية (١).
واحتمل أيضا أن يكون التّفسير : ألم تر أنّ الجبال نفسها مثل طرائق بيضا وحمرا وسودا مختلفا ألوانها خطّت على سطح الأرض ، وخاصّة إذا نظر إليها الشخص من فاصلة بعيدة ، فانّها ترى على شكل خطوط مختلفة ممدودة على وجه الأرض بيض وحمر وسود مختلف ألوانها (٢).
على كلّ حال فإنّ تشكيل الجبال بألوان مختلفة من جهة ، وتلوين الطرق الجبلية بألوان متفاوتة ، من جهة اخرى ، دليل آخر على عظمة وقدرة وحكمة الله سبحانه وتعالى والتي تتجلّى وتتزيّن كلّ آن بشكل جديد.
وفي الآية التالية تطرح مسألة تنوّع الألوان في البشر والأحياء الاخرى ، فيقول تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ).
أجل ، فالبشر مع كونهم جميعا لأب وأمّ واحدين ، إلّا أنّهم عناصر وألوان متفاوتة تماما ، فالبعض أبيض البشرة كالوفر ، والبعض الآخر أسود كالحبر ، وحتّى في العنصر الواحد فإنّ التفاوت في اللون شديد أيضا ، بل إنّ التوأمين الذين يطويان المراحل الجنينية معا ، واللذين يحتضن أحدهما الآخر منذ البدء ، إذا دقّقنا
__________________
(١) استنادا إلى ما صرّحت به بعض كتب اللغة كلسان العرب فإنّ (سود) في الآية أعلاه هي بدل عن «غرابيب» لأنّه في حالة الألوان لا يقدّم التأكيد ، لاحظ أنّ (غرابيب) أكثر إشباعا للتأكيد من ناحية السواد ، لذا قيل إنّ الأصل كان «سود غرابيب».
(٢) تفسير الميزان ، مجلّد ١٧ ، صفحة ٤٢.