كان عملها لا يخلو من بعض الزلّات والتقصيرات أيضا ، وهؤلاء مصداق «مقتصد».
وأخيرا مجموعة ممتازة ، أنجزت وظائفها العظيمة بأحسن وجه ، وسبقوا الجميع في ميدان الاستباق ، والذين أشارت إليهم الآية بقولها : (سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ).
وهنا يمكن أن يقال بأنّ وجود المجموعة «الظالمة» ينافي أنّ هؤلاء جميعا مشمولون بقوله «اصطفينا»؟
وفي الجواب نقول : إنّ هذا شبيه بما ورد بالنسبة إلى بني إسرائيل في الآية (٥٣) من سورة المؤمن : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) ، في حال أنّنا نعلم أنّ بني إسرائيل جميعهم لو يؤدّوا وظيفتهم إزاء هذا الميراث العظيم.
أو نظير ما ورد في الآية (١١٠) من سورة آل عمران : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).
أو ما ورد في الآية (١٦) من سورة الجاثية بخصوص بني إسرائيل أيضا (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ).
وكذلك في الآية (٢٦) من سورة الحديد نقرأ : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ).
وخلاصة القول : إنّ الإشارة في أمثال هذه التعبيرات ليست للامّة بأجمعها فردا فردا ، بل إلى مجموع الامّة ، وإن احتوت على طبقات ، ومجموعات مختلفة (١).
__________________
(١) أمّا ما احتمله البعض من أنّ التقسيم الوارد في الآية يعود على «عبادنا» وليس على «الذين اصطفينا» ، بحيث أنّ هذه المجموعات الثلاثة لا تدخل ضمن مفهوم ورثة الكتاب ، بل ضمن مفهوم «عبادنا» و «الذين اصطفينا» فقط المجموعة الثالثة أي «السابقين بالخيرات» ، فيبدو بعيدا ، لأنّ الظّاهر هو أنّ هذه المجموعات ممّن ذكرتهم الآية ، ونعلم أنّ الحديث في الآية لم يكن عن كلّ العباد ، بل عن (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا) ، ناهيك عن إضافة «نا» إلى «عباد» وهو نوع من التمجيد والمدح ، ممّا يجعل ذلك غير منسجم مع التّفسير المذكور.