هذا الكلام يدعو إلى الإمعان والتأمل أكثر في آيات القرآن المجيد ، لأن التكبر هو المصدر الرئيسي للكفر ، كما نقرأ ذلك بشأن الشيطان (أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (١). ولهذا السبب فلا يمكن أن يكون للمستكبرين مكان آخر غير جهنم ليحترقوا بنارها ، وقد ورد في حديث لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
«إنّ في جهنم لواد للمتكبرين يقال له سقر ، شكى إلى الله عزوجل شدة حرّه ، وسأله أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم» (٢).
الآية التالية تتحدث عن طائفة تقابل الطائفة السابقة ، حيث تتحدث عن المتقين وابتهاجهم في يوم القيامة ، إذ تقول : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ) (٣).
ثم توضح فوزهم وانتصارهم من خلال جملتين قصيرتين مفعمتين بالمعاني ، (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).
نعم ، إنّهم يعيشون في عالم لا يوجد فيه سوى الخير والطهارة والسرور ، وهذه العبارة القصيرة جمعت ـ حقّا ـ كلّ الهبات الإلهية فيها.
الآية التالية تتطرق من جديد إلى مسألة التوحيد والجهاد ضدّ الشرك ، وتواصل مجادلة المشركين ، حيث تقول : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
العبارة الأولى في هذه الآية تشير إلى (توحد الله في الخلق) والثانية تشير إلى (توحده في الربوبية).
فمسألة (توحده في الخلق) هي حقيقة اعترف بها حتى المشركون ، كما ورد
__________________
(١) البقرة ، ٣٤.
(٢) تفسير علي بن إبراهيم ، نقلا عن تفسير نور الثقلين ، المجلد ٤ ، الصفحة ٤٩٦ ، كما ورد نفس المعنى في تفسير الصافي في ذيل آيات البحث.
(٣) «مفازة» : مصدر ميمي بمعنى الفوز والظفر ، و (الباء) في (بمفازتهم) للملابسة أو السببية ، وبالنسبة إلى الحالة الأولى يكون المعنى إن الله يعطيهم النجاة المقترنة بالخلاص والفلاح ، أمّا بالنسبة إلى الحالة الثانية فالمعنى يكون (إن الله أنقذهم ونجاهم بسبب إخلاصهم) كناية عن الأعمال الصالحة والإيمان ـ.