أنبياء العظام بهذه اللهجة الشديدة ، فعلى الأمة أن تحسب حسابها ، هذا الأسلوب من قبيل ما نصّ عليه المثل المعروف (إيّاك أعني واسمعي يا جارة).
ونفس المعنى ورد في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام أثناء إجابته على سؤال وجهه إليه المأمون ، إذ قال : يا بن رسول الله أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال عليهالسلام : «بلى» قال : فما معنى قول الله إلى أن قال : فأخبرني عن قول الله : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ).
قال الرضا عليهالسلام : «هذا ممّا نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة ، خاطب الله بذلك نبيّه وأراد به أمته» وكذلك قوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ...) وقوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) قال : صدقت يا ابن رسول الله (١).
الآية التالية تضيف للتأكيد أكثر (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٢).
تقديم اسم الجلالة للدلالة على الحصر ، وذلك يعني أن ذات الله المنزهة يجب أن تكون معبودك الوحيد ، ثمّ تأمر الآية بالشكر ، لأن الشكر على النعم التي أغدقت على الإنسان هي سلم يؤدي إلى معرفة الله ، ونفي كلّ أشكال الشرك ، فالشكر على النعم من الأمور الفطرية عند الإنسان ، وقبل الشكر يجب معرفة المنعم ، وهنا فإن خط الشكر يؤدي إلى خط التوحيد ، وينكشف بطلان عبادة الأصنام التي لا تهب للإنسان آية نعمة.
الآية الأخيرة في بحثنا هذا تكشف عن الجذر الرئيسي لانحرافهم ، وتقول : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ). ولهذا تنزلوا باسمه المقدس حتى جعلوه رديفا للأوثان!!
نعم ، فمصدر الشرك هو عدم معرفة البارئ عزوجل بصورة صحيحة ، فالذي
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) (الفاء) في (فاعبد) زائدة للتأكيد على ما قيل ، وقال البعض : إنّها (فاء) الجزاء وقد حذف شرطه والتقدير (إن كنت عابدا فاعبد الله) ، ثمّ حذف الشرط ، وقدم المفعول مكانه.