ثم تضيف الآية على لسان الرجل المؤمن : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ).
لهذا كلّه لا أخشى تهديداتكم ، ولا أرهب كثرتكم وقوتكم ، ولا تخيفني وحدتي بيّن أيديكم ، لأني وضعت نفسي بين يدي المطلق ذي القدرة اللامتناهية ، والمحيط علمه بكل شيء ، وبأحوال عباده أينما كانوا وحلّوا.
إنّ هذا التعبير يستبطن في طياته دعاء مهذبا انطلق من الرجل المؤمن الذي وقع أسيرا في قبضة هؤلاء الأشقياء الظالمين. لذلك طلب بشكل مؤدب من خالقه (جلّ وعلا) أن يحميه بحمايته وينقذه ممّا هو فيه.
الله تبارك وتعالى لم يترك عبده المؤمن المجاهد وحيدا وإنّما : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا).
إنّ التعبير بـ (سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) يفيد أنّهم وضعوا خططا مختلفة ضدّه ... ترى ما هي هذه الخطط؟
في الواقع ، إنّ القرآن لم يذكرها بل تركها مجهولة ، لكنّها ـ حتما ـ لا تخرج عن ألوان العقاب والتعذيب ينزلونه بالرجل قبل أن يحل به القتل والإعدام ، إلّا أنّ اللطف الإلهي أبطل مفعولها جميعا وأنجاه منهم.
تفيد بعض التفاسير أنّ مؤمن آل فرعون انتهز فرصة مناسبة فالتحق بموسى عليهالسلام ، وعبّر البحر مع بني إسرائيل. وقيل أيضا : أنّه هرب إلى الجبل عند ما صدر عليه قرار الموت ، وبقي هناك مختفيا عن الأنظار (١).
ومن الطبيعي أن لا يكون هناك تعارض بين الرأيين ، إذ يمكن أن يكون قد هرب إلى الجبل أولا ، ثمّ التحق ببني إسرائيل.
وقد يكون من مؤامراتهم عليه ، محاولتهم فرض عبادة الأصنام عليه وإخراجه من خط التوحيد ، إلّا أن الله تبارك وتعالى أنجاه من مكرهم ورسخ قدمه
__________________
(١) يراجع تفسير مجمع البيان في نهاية الحديث عن الآية مورد البحث.