جانب ثان تشير إلى إلغاء ألوهية الأصنام والفراعنة ، حيث لا يملكون العزة ولا العفو.
ينتقل الخطاب القرآني ـ على لسان مؤمن آل فرعون ـ إلى قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ) (١) فهذه الأصنام لم ترسل الرسل إلى الناس ليدعوهم إليهم ، وهي لا تملك في الآخرة الحاكمية على أي شيء.
إنّ هذه الموجودات لا تملك الحس والشعور ، إنّها أصنام لا تتكلم ولا تضر ولا تنفع ، وإنّ عليكم أن تعلموا : (وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ).
فهو سبحانه وتعالى الذي أرسل رسله إلى النسا لأجل هدايتهم ، وهو الذي يثيبهم ويعاقبهم على أعمالهم.
ويجب أن تعلموا أيضا : (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ).
وهكذا كشف مؤمن آل فرعون ما كان يخفي من إيمانه ، وبذلك فقد انكشف هنا خطّه الإيماني التوحيدي ، وانفصل علينا عن خط الشرك الملوث الذي يصبغ بآثامه وأوحاله الحكّام الفراعنة ومن يلف حولهم ، لقد رفض الرجل دعوتهم ووقف لوحده إزاء باطلهم وانحرافهم.
في آخر كلامه ـ وبتهديد ذي مغزى ـ يقوله لهم : (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ).
إنّ ما قلته لكم ستذكرونه في الدنيا والآخرة ، وستعلمون صدقي عند ما تصيبكم المصائب ، وينزل بساحتكم الغضب الإلهي ، لكن سيكون ذلك كلّه بعد فوات الأوان ، فإن كان في الآخرة فلا طريق الرجوع ، وإن كان في الدنيا فهو لا يتم إلّا حين يحل بكم العذاب الإلهي ، وعندها ستغلق جميع أبواب التوبة.
__________________
(١) قلنا سابقا : إنّ «لا جرم» مركبة من (لا) و (جرم) على وزن (حرم) وهي في الأصل تعني القطع واقتطاف الثمر ، وهي ككلمة مركبة تعني : لا يستطيع أي شيء أن يقطع هذا العمل أو يمنعه. لذلك تستخدم بشكل عام بمعنى (حتما) وتأتي أحيانا بمعنى القسم.