من يتكبّر يحسد ، إذ لا يرى المتكبّر المواهب إلّا لنفسه ، ويتألم إذا انصرفت لغيره حسدا منه وجهلا.
ثم تضيف الآية : (ما هُمْ بِبالِغِيهِ).
إنّ هدفهم أن يروا أنفسهم كبارا ، يفاخرون بذلك ويفتخرون على غيرهم ، لكنّهم لن يحصدوا سوى الذلة والخسران ، ولن يصلوا بطريق التكبر والغرور والعلو والمجادلة بالباطل إلى ما يبتغونه (١).
في نهاية الآية تعليمات قيمة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن يستعيذ بالله من شر هؤلاء المتكبرين المغرورين الذين لا منطق لهم ، حيث يقول تعالى : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
فهو ـ تعالى ـ يسمع أحاديثهم الباطلة الواهية ، وينظر إلى مؤامراتهم وأعمالهم القبيحة وخططهم الشريرة.
والاستعاذة بالله لا تنبغي لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحده وحسب ، وإنّما تجب على كل السائرين في طريق الحق عند ما تتعاظم الحوادث ويستعر الصدام مع المتكبرين عدمي المنطق!
لذلك نرى استعاذة يوسف عليهالسلام عند ما تواجهه العاصفة الشديدة المتمثلة بشهوة «زليخا» يقول : (مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) فكيف أخون عزيز مصر الذي أكرمني وأحسن وفادتي.
وفي آيات سابقة من نفس هذه السورة نقرأ أنّ كليم الله موسى عليهالسلام قال : (إِنِّي
__________________
(١) ثمة بين المفسرين كلام حول مرجع الضمير في قوله : «بالغيه» أشهره قولان.
الأول : أن يعود الضمير إلى «كبر» وتكون «ما هم ببالغيه» جملة وصفية لـ (كبر) ويكون المعنى هكذا : إنهم لا يصلون إلى مقتضى وهدف تكبرهم (في الواقع حذف هنا المضاف والتقدير «ما هم ببالغي مقتضى كبرهم»).
الثاني : أن يعود الضمير إلى «جدال» الذي يستفاد من جملة «يجادلون» والمعنى أنهم لن يصلوا إلى هدف جدالهم المتمثل بإبطال الحق. ولكن في هذه الحالة لا تستطيع أن نقول : إن الجملة صفة (كبر) بل ينبغي أن نعطفها على ما سبقها مع حذف العاطف.