عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) (١).
إنّ قضية المعاد وعودة الروح للإنسان بعد موته ، تعتبر من أكثر القضايا التي يجادل فيها الكفار ، ويعاندون بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لذلك تنتقل الآية التالية إلى التذكير بهذه القضية ، وإعادة طرحها وفق منطق قرآني آخر ، إذ يقول تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
إنّ خالق هذه المجرّات العظيمة ومدبّرها يستطيع ـ بصورة أولى ـ أن يحيي الموتى ، وإلّا كيف يتسق القول بخلقه السماوات والأرض وعجزه من إعادة الإنسان إلى الحياة بعد الموت؟
إنّ هذا المنطق يعبّر عن جهل هؤلاء الذين لا يستطيعون إدراك هذه الحقائق الكبرى!
أغلب المفسّرين اعتبر هذه الآية ردّا على مجادلة المشركين بشأن قضية المعاد ، بينما احتمل البعض أنّها رد على كبر المتكبرين والمغرورين الذين كانوا يتصورون أن ذواتهم وأفكارهم عظيمة غير قابلة للردّ أو النقض ، في حين آنها تافهة بالقياس إلى عظمة عالم الوجود (٢).
هذا المعنى غير مستبعد ، ولكن إذا أخذنا بنظر الإعتبار الآيات التي بعدها يكون المعنى الأوّل أفضل.
لقد تضمنت الآية الكريمة سببا آخر من أسباب المجادلة متمثلا بـ «الجهل» في حين طرحت الآيات السابقة عامل «الكبر». والعاملان يرتبطان مع بعضهما ، لأن أصل وأساس «الكبر» هو «الجهل» وعدم معرفة الإنسان لحدوده وقدره ، ولعدم تقديره لحجم علمه ومعرفته.
الآية التي بعدها ، وفي إطار مقارنة واضحة تكشف عن الفرق بين حال
__________________
(١) المؤمن ـ ٢٧.
(٢) يلاحظ الرأي الأوّل في مجمع البيان ، تفسير الفخر الرازي ، الكشاف ، روح المعاني ، الصافي وروح البيان.