وهنا يثار هذا السؤال : تذكر الآيات القرآنية ـ أعلاه ـ أنّ خلق الأرض تمّ في يومين ، وخلق الجبال والبركات والطعام في أربعة أيّام. وبعد ذلك خلق السماوات في يومين ، وبذا يكون المجموع ثمانية أيّام ، في حين أن أكثر من آية في كتاب الله تذكر أنّ خلق السماوات والأرض تمّ في ستة أيّام ، أو بعبارة اخرى : في ستة مراحل (١)؟
سلك المفسّرون طريقان في الإجابة على هذا السؤال :
الطريق الأوّل : وهو المشهور المعروف ، ومفاده أنّ المقصود بأربعة أيّام هو تتمة الأربعة أيّام ، بأن يتم في اليومين الأولين من الأربعة خلق الأرض ، وفي اليومين الآخرين خلق باقي خصوصيات الأرض. مضافا إلى ذلك اليومين لخلق السماوات ، فيكون المجموع ستة أيّام أو ست مراحل.
وشبيه ذلك ما يرد في اللغة العربية من القول مثلا بأنّ المسافة من هنا إلى مكّة يستغرق قطعها عشرة أيّام ، وإلى المدينة المنورة (١٥) يوما ، أي إنّ المسافة بن مكّة والمدينة تكون خمسة أيام ومن هنا إلى مكّة عشرة أيّام (٢).
وهذا التّفسير صحيح لوجود مجموعة الآيات التي تتحدث عن الخلق في ستة أيّام ، وإلّا ففي غير هذه الحالة لا يمكن الركون له ، من هنا تتبين أهمية ما يقال من أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضا.
الطريق الآخر الذي اعتمده المفسّرون للإجابة على الإشكال أعلاه هو قولهم : إنّ أربعة أيّام لا تختص ببداية الخلق ، بل هي إشارة إلى الفصول الأربعة للسنة ، والتي هي بداية ظهور الأرزاق ونمو المواد الغذائية التي تنفع الإنسان
__________________
(١) يمكن مراجعة الآيات (٥٤) من سورة الأعراف و (٣) من سورة هود و (٥٩) من سورة الفرقان و (٤) من سورة السجدة و (٣٨) سورة ق و (٤) من سورة الحديد.
(٢) في ضوء هذا التفسير يكون للآية تقديرها بالصيغة الآتية ... وقدّر فيها أقواتها في تتمة أربعة أيّام أو يكون التقدير كما جاء في تفسير «الكشاف» : «كل ذلك في أربعة أيّام».