وسجود ذرات العالم وكائنات الوجود بين يدي الله تبارك وتعالى.
والمعنى الثّاني محتمل أيضا لأننا نعلم أنّ أي كائن في هذا العالم لا يفنى من الوجود ، وأنّ آثار أقوالنا وأفعالنا سوف تبقى في أعضائنا وجوارحنا ، ومن الطبيعي أن تعتبر «الشهادة التكوينية» هذه من أوضح الشهادات وأجلاها ، إذ لا مجال لإنكارها ، كما في اصفرار الوجه ـ الذي يعتبر عادة دليلا ـ على الخوف لا يمكن إنكاره ، واحمراره دليل على الغضب أو الخجل.
وإطلاق النطق على هذا المعنى يكون مقبولا أيضا.
أمّا الاحتمال الأخير في أن تنطق الأعضاء بإذن الله تعالى دون أن يكون لها شعور بذلك أو يظهر منها اثر تكويني ، فإنّ ذلك بعيد ظاهرا ، لأنّه في مثل هذه الحالة لا تعتبر الحالة مصداقا للشهادة التشريعية ولا مصداقا للشهادة التكوينية ، فلا عقل هناك ولا شعور ، ولا الأثر الطبيعي للعمل ، وسوف تفقد قيمة الشهادة في المحكمة الإلهية الكبرى.
ومن الضروري الانتباه إلى أنّ قوله تعالى : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها) يبيّن أنّ شهادة أعضاء الإنسان تتمّ في محكمة النّار ، فهل مفهوم ذلك أنّ الشهادة تتمّ في النّار ، في حين أنّ النّار هي نهاية المطاف ، أم أنّ المحكمة تنعقد بالقرب من النّار؟
الاحتمال الثّاني هو الأقرب كما يظهر.
ثمّ ما هو المقصود من (جلود) بصيغة الجمع؟
الظاهر أنّ المقصود بذلك هو جلود الأعضاء المختلفة للجسم ، جلد اليد والرجل والوجه وغير ذلك.
أمّا الروايات التي تفسّر ذلك بـ «الفروج» فهي في الحقيقة من باب بيان المصداق ، وليس حصر مفهوم الجلود في ذلك.
ومن جانب آخر ربّ سائل يسأل : لماذا تشهد العين والأذن والجلود فقط ، دون أعضاء الجسم الأخرى؟ وهل الشهادة مقتصرة على هذه الأعضاء ، أو أنّ