اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ).
وكذلك تشبه الآية (٢١) من سورة «إبراهيم» حيث قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ).
وللتأكيد على هذا الأمر تضيف الآية : (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ).
«يستعتبون» مأخوذه في الأصل من (العتاب) وتعني إظهار الخشونة ، ومفهوم ذلك أنّ الشخص المذنب سيستسلم للوم صاحب الحق كي يعفو عنه ويرضى عنه ، لذلك فإنّ كلمة (استعتاب) تعني الاسترضاء وطلب العفو (١).
ثم تشير الآية الثانية إلى العذاب الدنيوي لهؤلاء فتقول : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) حيث قام هؤلاء الجلساء بتصوير المساوئ لهم حسنات.
«قيضنا» من (قيض) على وزن (فيض) وتعني في الأصل قشرة البيضة الخارجية ، ثمّ قيلت لوصف الأشخاص الذين يسيطرون على الإنسان بشكل كامل ، كسيطرة القشرة على البيضة.
وهذه إشارة إلى أنّ أصدقاء السوء والرفاق الفاسدين يحيطون بهم من كل مكان ، حيث يصادرون أفكارهم ، ويهيمنون عليهم بحيث يفقدون معه قابلية الإدراك والإحساس المستقل ، وعندها ستكون الأمور القبيحة السيئة جميلة حسنة في نظرهم ، وبذلك ينتهي الإنسان إلى الوقوع في مستنقع الفساد وتغلق بوجهه أبواب النجاة.
في بعض الأحيان تستخدم كلمة «قيضنا» لتبديل شيء مكان شيء آخر ، ووفقا لهذا المعنى سيكون مقصود الآية ، هو أنّنا سنأخذ منهم الأصدقاء الصالحين ونسلب منهم رفاق الخير ، لنبدلهم بأصدقاء السوء والقرناء الفاسدين.
لقد ورد فهذا المعنى بشكل أوضح في الآيتين (٣٦ ـ ٣٧) من سورة «الزخرف»
__________________
(١) يلاحظ «مفردات الراغب» و «لسان العرب» في مادة «عتب».