في قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ).
إنّ التمعّن بالمجتمعات الفاسدة والفئات المنحرفة الضالة ينتهي بنا ـ بسهولة ـ إلى اكتشاف آثار أقدام الشياطين في حياتهم ، إذ يحاصرهم رفاق السوء وقرناء الشر من كلّ جانب وصوب ، ويسيطرون على أفكارهم ويقلبون لهم الحقائق.
قوله تعالى : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) لعله إشارة لإحاطة الشياطين من كل جانب وتزيين الأمور لهم.
وقيل أيضا في تفسيرها أنّ (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) إشارة إلى لذات الدنيا وزخارفها ، (وَما خَلْفَهُمْ) هو إنكار القيامة والبعث.
وقد يكون (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) إشارة إلى وضعهم الدنيوي (وَما خَلْفَهُمْ) إلى المستقبل الذي سينتظرهم وأبناءهم ، إذ عادة ما يرتكب هذه الجرائم تحت شعار تأمين المستقبل.
وبسبب هذا الوضع تضيف الآية بأن الأمر الالهي صدر بعذابهم وان مصيرهم هو مصير الأمم السالفة : (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) (١).
ثم تنتهي الآية بقوله تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ).
إنّ هذه الآيات تعتبر ـ في الواقع ـ الصورة المقابلة والوجه الآخر ، وسوف تتحدث الآيات القادمة عن المؤمنين الصالحين المنصورين في الدنيا والآخرة بالملائكة التي تبشرهم بكل خير ، وتكشف عنهم الغم والحزن.
* * *
__________________
(١) «في أمم» متعلقة بفعل محذوف ، وفي التقدير تكون الجملة : «كائنين في أمم قد خلت». ومن المحتمل أن تكون «في» هنا بمعنى «مع».