المسلمين الذين يواجهون الأذى بأنّ لا محيص لهم عن الاستقامة والصبر.
يقول تعالى : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ).
فإذا كانوا يتهمونك بالجنون والكهانة والسحر ، فقد أطلقوا هذه الأوصاف على من قبلك من الأنبياء والمرسلين.
إنّ دعوتك لدين الحق ليست جديدة ، وإنّ ما تواجهه وأنت تدعو للدين الجديد ليس جديدا أيضا ، لذلك ما عليك ـ يا رسول الله ـ إلّا أن ترابط بقوّة وتلزم ما أنت عليه ولا تهتم بكلام هؤلاء ، لأنّ الله معك.
احتمل بعض المفسّرين أن يكون المراد من الآية هو : أنّ الكلام الذي قيل لك من قبل الله هو نفس الكلام الذي قيل لمن قبلك من الأنبياء (١).
لكن المعنى الأوّل أنسب في المقام ، خاصة مع ملاحظة سياق الآيات القادمة.
يقول الله تبارك وتعالى في نهاية الآية : (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ).
فرحمته ومغفرته للمصدّقين ، وعذابه للمكذبين والمعارضين.
وهذا الجزء من الآية هو بشارة للمؤمنين وتشويق لهم ، وإنذار للكفار وتهديد لهم.
إنّ تقديم (المغفرة) على (العقاب) يشبه ـ في الواقع ـ الموارد الأخرى ، وهو دليل على تقدّم رحمته تعالى على غضبه ، كما جاء في المأثور من الدعاء : «يا من سبقت رحمته غضبه» (٢).
الآية التي بعدها تتحدث عن ذرائع هؤلاء المعاندين ، وترد على واحدة منها ، إذ هم كانوا يقولون : لماذا لم ينزل القرآن بلسان الأعاجم حتى نهتم به أكثر ويستفيد منه غير العرب؟
__________________
(١) هذا الاحتمال يمكن ملاحظته في تفسير «مجمع البيان» و «التّفسير الكبير» ولكنّ كليهما رجح التفسير الأوّل.
(٢) عن دعاء الجوشن الكبر. الفصل (١٩) الجملة الثامنة.