إنّها حجّة عجيبة!
ولعلّهم كانوا يستهدفون منها عدم فهم الناس القرآن حتى لا يضطروا إلى منعهم عنه ، كما حكى القرآن عن سلوكهم هذا في آية سابقة في قوله تعالى : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) (١).
هنا يجيب القرآن على هذا القول بقوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ).
ثم يضيفون : يا للعجب قرآن أعجمي من رسول عربي؟ : (ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ).
أو يقولون : كتاب أعجمي لأمّة تنطق بالعربية؟!
والآن وبالرغم من نزوله بلسان عربي ، والجميع يدرك معانيه بوضوح ويفهم عمق دعوة القرآن ، إلّا أنّهم ومع ذلك نراهم يصرخون : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ).
إنّ الآية تتحدث في الواقع عن المرض الكامن في نفوس هؤلاء وعجزهم عن مواكبة الهدى والنور الذي أنزل عليهم من ربّهم ، فإذا جاءهم بلسانهم العربي قالوا : هو السحر و، الأسطورة ، وإذا جاءهم بلسان أعجمي فإنّهم سيعتبرونه غير مفهوم ، وإذا جاءهم مزيجا من الألفاظ العربية والأعجمية عندها سيقولون بأنّه غير موزون (٢)!!
وينبغي الانتباه هنا إلى أنّ كلمة (أعجمي) من «عجمة» على وزن «لقمة» وتعني عدم الفصاحة والإبهام في الكلام ، وتطلق «عجم» على غير العرب لأن العرب لا يفهمون كلامهم بوضوح ، وتطلق «أعجم» على من لا يجيد الحديث والكلام سواء كان عربيا أو غير عربي.
بناء على هذا فإنّ (أعجمي) هي (أعجم) منسوبة بالياء.
__________________
(١) في تفسير الفخر الرازي نقرأ قوله : نقلوا في سبب نزول هذه الآية أنّ الكفار لأجل التعنت قالوا : لو نزل القرآن بلغة العجم».
(٢) بعض المفسّرين فسّر قوله تعالى : (ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) بنفس معناه المباشر أي مزيج وخليط بين العربي والأعجمي.