ثم يخاطب القرآن الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بالقول : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ).
أمّا لغيرهم : (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) أيّ «ثقل» ولذلك لا يدركونه.
ثم إنّه : (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) (١). أيّ أنّهم لا يرونه بسبب عماهم ، فهؤلاء كالاشخاص الذين ينادون من بعيد : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ).
ومن الواضح أنّ مثل هؤلاء الأشخاص لا يسمعون ولا يبصرون. فلأجل العثور على الطريق والوصول إلى الهدف لا يكفي وجود النور وحده ، فيجب أن تكون هناك عن تبصر ، كذلك يقال في مسألة التعلّم ، حيث لا يكفي وجود المبلّغ والداعية الفصيح ، بل ينبغي أن تكون هناك أذن تسمع وتعي ، فلا شك في بركة المطر وتأثيره في نمو النباتات. ولكن المسألة في الأرض. طيبة أم خبيثة!!
فالذين يتعاملون مع القرآن بروح تبحث عن الحقيقة سيهتدون وستشفى نفوسهم وصدورهم به ، حيث يعالج القرآن الكريم الأمراض الأخلاقية والروحية ، ثم يشدّون الرحال للسفر نحو الآفاق العالية في ظل نور القرآن وهداه.
أمّا ماذا يستفيد المعاندون والمتعصبون وأعداء الحق والحقيقة وأعداء الأنبياء والرسل ، من كتاب الله تعالى ، فهم في الواقع مثلهم مثل الأعمى والأصم ومن ينادى من مكان بعيد ، فهل تراه يسمع النداء أو يستجيب لهداه ، إنّهم كمن أصيب بالعمى والصمم المضاعف ، وهو بعد ذلك في مكان بعيد!!
ونقل بعض المفسّرين أنّ أهل اللغة يقولون لمن يفهم : أنت تسمع من قريب.
ويقولون لمن لا يفهم : أنت تنادى من بعيد (٢).
«وثمّة شرح مفصل حول شفاء القرآن ومعالجته لآلام الإنسان الروحية ،
__________________
(١) بعض المفسّرين ذهب إلى القول بأنّ الجملة أعلاه معناها هو : أنّ القرآن هو سبب في عمى هذه الفئة وعدم رؤيتها» في حين أنّ الراغب في المفردات وابن منظور في لسان العرب اعتبروا قول العرب «عمي عليه» بمعنى أنّه «اشتبه حتى صار الإضافة إليه كالأعمى» وبناء على هذا يكون المراد من الآية هو ما ذهبنا إليه في المتن.
(٢) يلاحظ ذلك في تفسير القرطبي حديثه عن الآية.