يتحكم بالمخ وحركات القلب المنتظمة والشرايين والعظام والخلايا ، وانعقاد النطفة ونمو الجنين في ظلمات الرحم. ثمّ أسرار الروح العجيبة. إنّ كلّ ذلك هي كتاب مفتوح لمعرفة الإله الخالق العظيم.
صحيح أنّ هذه الآيات قد طرقت سابقا بمقدار كاف من قبل الله تعالى ، إلّا أنّ هذه العملية والإراءة مستمرة ، لأنّ (سنريهم) فعل مضارع يدل على الاستمرار ، وإذا عاش الإنسان مئات الآلاف من السنين ، فسوف تنكشف له في كلّ زمان علامات وآيات إلهية جديدة ، لأنّ أسرار العالم لا تنتهي.
إنّ كافة كتب وبحوث العلوم الطبيعية وما يتصل بمعرفة الإنسان في أبعاده المختلفة (التشريح ، فسلجة الأعضاء ، علم النفس ، والتحليل النفسي) وكذلك العلوم التي تختص بمعرفة النباتات والحيوانات والهيئة والطبيعة وغير ذلك ، تعتبر في الواقع كتبا وبحوثا في التوحيد ومعرفة الخالق (جلّ وعلا) لأنّها عادة ما ترفع الحجب عن الأسرار العجيبة لتبيّن قدرا من حكمة الخالق العظيم ، وقدرته الأزلية ، وعلمه الذي أحاط بكل شيء.
أحيانا يستحوذ علم واحد من هذه العلوم ، بل فرع من فروعه المتعدّدة على اهتمام عالم من العلماء فيصرف عمره في سبيله ، وفي النهاية يقرّر قائلا : مع الأسف لا زلت لا أعرف شيئا عن هذا الموضوع ، وما علمته لحد الآن تجعلني أغوص أكثر في أعماق جهلي ، نعود الآن إلى الآية التي تنتهي بجملة ذات مغزى حيث يقول تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١).
وهل هناك شهادة أفضل وأعظم من هذه التي كتبت بخط القدرة التكوينية على ناصية جميع الكائنات ، على أوراق الشجر ، في الأوراد والزهور ، وبين
__________________
(١) ذهب الكثير من المفسّرين إلى أنّ «الباء» زائدة و «ربك» تقوم مقام الفاعل. وجملة «أنّه على كلّ شيء شهيد» «بدل» ذلك ، والمعنى يكون هكذا : «أولم يكفهم أن ربّك على كلّ شيء شهيد».