التأمل في نهاية الآية والآية التي تليها يكشف عن رجاحة التّفسير الأوّل (١).
وثمّة أقوال اخرى في تفسير الاية تركناها لعدم جدواها.
الآية الأخيرة في السورة تشير إلى الأساس والسبب في شقاء هذه المجموعة المشركة الفاسدة ، إذ يقول تعالى عنهم : (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ).
ولأنّهم لا يؤمنون بيوم الحساب والجزاء ، فهم يقومون بأنواع الجرائم والمعاصي مهما كانت ، ومهما بلغت. إنّ حجب الغفلة والغرور تهيمن على هؤلاء فتنسيهم لقاء الله ، ممّا يؤدي بهم إلى السقوط عن مصاف الإنسانية.
ولكنّهم يجب أن يعلموا : (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ).
إنّ جميع أعمالهم ونواياهم حاضرة في علم الله ، وكل ذلك يسجّل لمحكمة القيامة والحشر.
«مرية» على وزن «جزية» و «قرية» تعني التردّد في اتخاذ القرار ، والبعض اعتبرها بمعنى الشك والشبهة العظيمة ، والكلمة مأخوذة في الأصل من «مريت الناقة» بمعنى عصر ثدي الناقة بعد حلبها أملا بوجود بقايا الحليب فيه ، ولأنّ هذا العمل مع الشك والتردّد ، فقد وردت هذه الكلمة بهذا المعنى.
وعند ما نسمع إطلاق كلمة «المراء» على «المجادلة» فذلك لما يحاوله
__________________
(١) التّفسير الأوّل له أربعة مرجحات هي :
أولا : إنّ أكثر ما تؤكد عليه الآيات هو قضية التوحيد وأدلته.
ثانيا : إنّ تعبيري «آفاق وأنفس» أكثر تناسبا مع آيات التوحيد.
ثالثا : نشير نهاية الآية في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) إلى قضية التوحيد ، وشهادة الله التكوينية على حقانية ذاته المنزّهة.
رابعا : الآية التي تليها تتحدث عن المعاد ، ونحن نعرف أنّ المبدأ والمعاد غالبا ما يقترن أحدهما بالآخر.
أما التّفسير الأوّل فله ثلاثة مرجحات هي :
أوّلا : إنّ ضمير «إنّه» مفرد للغائب ، في حين أنّ ضمير «آياتنا» متكلّم مع الغير ، وهذه إشارة إلى أنّ كلّ ضمير من الضميرين يختص بمتابعة موضوع خاص.
ثانيا : إنّ الآية السابقة كانت حول القرآن بالخصوص.
ثالثا : إنّ جملة «سنريهم» التي هي فعل مضارع للاستمرار ، تفيد هذا المعنى بالذات ، أي أنّ الآيات المذكورة سنعرضها فيما بعد.