الملمّون بتعابير القرآن بخصوص الهداية والضلالة ، يعرفون بوضوح أنّه لا الهداية ولا الضلالة مفروضة وجبرية ، إنّما هما نتيجتان مباشرتان لأعمال الناس.
فأحيانا يقوم الإنسان بعمل معين وبسببه يسلب الخالق منه التوفيق ويطمس على قلبه ويمنع عنه نور الهداية ويتركه سابحا في الظلمات.
وهذا هو عين الإختيار والحرية ، فلو أن شخصا أصر على شرب الخمر وأصيب بأنواع الأمراض ، فإنه هو الذي جلب هذا الوضع وهذه الأمراض إلى نفسه ، فالخالق مسبب الأسباب ويعطي التأثيرات المختلفة للأشياء ، ولهذا السبب تربط النتائج به أحيانا (١).
على أية حال ، فإن هذا أحد أكثر العقوبات ألما بالنسبة للظالمين ، ثمّ تضيف الآية : (وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ).
فقد تحدث القرآن المجيد عدة مرات عن طلب الكافرين والظالمين العودة ، فأحيانا عند الموت مثل الآية (٩٩) و (١٠٠) من سورة المؤمنون : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ).
وأحيانا عند القيامة عند ما يقتربون من الجحيم ، كما تقول الآية (٢٧) من سورة الأنعام : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
ولكن مهما كانت هذه الطلبات فإنها ستواجه بالرفض ، لأن العودة غير ممكنة أبدا ، وهذه سنة إلهية لا تقبل التغيير ، فكما أن الإنسان لا يمكنه الرجوع من الكهولة إلى الشباب ، أو من الشباب إلى الطفولة ، أو من الطفولة إلى عالم الأجنة ، كذلك يستحيل الرجوع إلى الوراء والعودة إلى الدنيا من عالم البرزخ أو الآخرة.
الآية الأخرى تذكر ثالث عقاب لهذه المجموعة حيث تقول : (وَتَراهُمْ
__________________
(١) هناك شرح مفصل في هذا الخصوص في نهاية الآية (٣٦) من سورة الزمر ، حيث أوضحنا جميع جوانب هذا الموضوع.