يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) (١).
فالقلق والخوف الشديد يسيطران على وجودهم ، والذلة والاستسلام يطغيان عليهم ، وانتهى كلّ شيء من التكبير ومحاربة وظلم وإيذاء المظلومين ، وينظرون من طرف خفي إلى النّار.
هذه صورة لحالة شخص يخشى من شيء أشد خشية ولا يريد أن ينظر إليه بعينين مفتوحتين ، وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يتغافل عنه ، لذا فهو مجبور على النظر إليه ، لكن بطرف خفي.
بعض المفسّرين قالوا : إنّ جملة (طرف خفي) تعني هنا النظر بعين نصف مفتوحة ، لأنّهم لا يستطيعون فتح العين كاملة من شدة الخوف والهول العظيم ، أو أنّهم من شدة الانهيار والإعياء لا يستطيعون فتح العين بشكل كامل.
فعند ما تكون حالة الإنسان هكذا قبل أن يدخل النّار ... فما ذا سيجري عليه عند ما يطؤها ويهوي في أعماقها؟!
أمّا آخر عقاب ذكر هنا ، فهو سماع اللوم والتوبيخ الأليم من المؤمنين ، كما جاء في آخر الآية : (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ).
فهل هناك خسارة أعظم من أن يخسر الإنسان نفسه ، ثمّ زوجه ، وأبناءه وأقرباءه؟ ونصيبه نار الفراق وهو في داخل العذاب الإلهي؟!
ثم تضيف : يا أهل المحشر : (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ).
إنّه العذاب الذي ليس هناك أمل بانتهائه ، ولا يتحدد بزمان معين. إنّه العذاب الذي يحرق أعماق الروح وظاهر الجسد على السواء.
وليس من لمستبعد أن يكون القائل لهذا الكلام هم المؤمنون الحقيقيون ، وهم
__________________
(١) «طرف» «بتسكين الراء» مصدر وتعني دوران العين ، وطرفة العين تعني حركة واحدة للعين ، والضمير في (عليها) يعود إلى العذاب ، صحيح أن العذاب مذكر لكنّه يعني هنا النّار وجهنم وضمير المؤنث يعود إليها.