عمومية (١).
وعلى أية حال ، فإنّ الهدف من نزول القرآن الكريم ـ بكل هذه الصفات التي ذكرناها ـ هو (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
وممّا يلفت النظر أنّ الآية السابقة انتهت بعبارة : (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) وهنا انتهت بعبارة : (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) لأنّ التذكّر يكون دائما مقدّمة للتقوى و «التقوى» هي ثمرة شجرة «التذكر».
ثمّ يستعرض القرآن المجيد أحد الأمثال التي ضربت ليرسم من خلاله مصير الموحّد والمشرك ، وذلك ضمن إطار مثل ناطق وجميل ، إذ يقول : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) (٢).
أي إنّ هناك عبدا يمتلكه عدّة أشخاص ، كلّ واحد منهم يأمره بتنفيذ أمر معين ، فهذا يقول له : نفذ العمل الفلاني ، والآخرة ينهاه عن تنفيذ ذلك العمل ، وهو في وسطهم كالتائه الحيران ، لا يدري أي أمر ينفّذ ، فالأمران متناقضان ومتضادان ، ولا يدري أيّا منهما يرضيه؟
والأدهى من كلّ ذلك أنّه عند ما يطلب من أحدهم توفير مستلزمات حياته ، يرميه على الآخر ، والآخر يرميه على الأوّل ، وهكذا يبقى محروما محتاجا عاجزا تائها. وفي مقابله هناك رجل سلم لرجل واحد (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ).
فهذا الشخص خطه ومنهجه واضح ، وولي أمره معلوم فلا تردد ولا حيرة ولا تضاد ولا تناقض ، يعيش بروح هادئة ويخطو خطوات مطمئنة ، ويعمل تحت رعاية فرد يدعمه في كلّ شيء وفي كلّ أمر وفي كلّ مكان. فهل أنّ هذين الرجلين متساويان (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً).
__________________
(١) يراجع (مفردات الراغب) و (لسان العرب) وغيرها من التفاسير.
(٢) «متشاكسون» : أصلها من (شكاسة) وتعني سوء الخلق والتنازع والاختصام ، ولهذا يقال «متشاكس» لمن يتخاصم ويتنازع بعصبية وسوء خلق.