هذا المثال ينطبق على (المشرك) و (الموحد) فالمشرك يعيش في وسط المتضادات والمتناقضات ، وكل يوم يتعلق قلبه بمعبود جديد ، فلا استقرار في حياته ولا اطمئنان ولا مسير واضح يسلكه. أما الموحّدون فإنّهم يعشقون الله وحده ، وفي كلّ الأحوال يلجؤون إلى ظلّ لطفه ، ولا تنظر عيونهم إلى سواه ، فطريقهم ونهجهم واضح ، ومصيرهم ونهايتهم واضحة أيضا.
وجاء في حديث لأمير المؤمنين عليهالسلام «أنا ذاك الرجل السلم لرسول الله» (١).
وورد في حديث آخر عنه أيضا «الرجل السلم للرجل حقا عليّ وشيعته» (٢).
وفي نهاية الآية يقول تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) فالله سبحانه وتعالى بذكره لتلك الأمثال يرشدكم إلى أفضل السبل ، ويضع تحت تصرفكم أوضح الدلائل لتشخيص الحقّ عن الباطل ، فالبارئ عزوجل يدعو الجميع إلى الإخلاص وفي ظل الإخلاص تكون السكينة والراحة ، فهل هناك نعمة أفضل من هذه ، وهل هناك أمر آخر يستحق الحمد والشكر أكثر من هذه النعمة؟!
ولكن أكثرهم لا يعلمون رغم وجود هذه الدلائل الساطعة ، إذ أنّ حبّ الدنيا والشهوات الطاغية عليهم يجعلهم يضلون عن طريق الحقيقة : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ).
وتتمّة لبحث الآيات السابقة بشأن التوحيد والشرك ، تتحدث الآية التالية عن نتائج الشرك والتوحيد في موقف القيامة.
إذ تبدأ بمسألة الموت الذي هو بوابة القيامة ، وتبيّن لكلّ البشرية أنّ قانون الموت عامّ ، وشامل للجميع : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٣).
__________________
(١) نقله (الحاكم أبو القاسم الحسكاني) في شواهد التنزيل.
(٢) نقله العياشي في تفسيره مجمع البيان ، ذيل آيات البحث.
(٣) عبارة (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) على الظاهر تعطي معنى موت الجميع في الوقت الحاضر ، وهي من قبيل (المضارع المتحقق الوقوع) الذي يأتى أحيانا بصورة حال وأحيانا اخرى بصورة الماضي.