أيضا ولن يستطيع أحد أن ينصرني أو يدفع عنّي عذابه : (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (١) وعلى هذا الأساس لا يستطيع أحد أن يجيرني منه تعالى ولا شيء يمكنه أن يكون لي ملجأ وهذا الخطاب يشير من جهة إلى الإقرار الكامل بالعبودية لله تعالى ، وإلى نفي كلّ أنواع الغلو في شأن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من جهة أخرى ، ويشير من جهة ثالثة إلى أنّه الأصنام ليس فقط لا تنفع ولا تحمي ، بل إنّ نفس الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضا مع ماله من العظمة لا يمكنه أن يكون ملجأ من عذاب الله ، وينهى من جهة الذرائع والآمال للمعاندين الذين كانوا يطلبون من النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يريهم المعاجز الإلهية ، ويثبت أن التوسل والشفاعة أيضا لا يتحققان إلّا بإذنه تعالى.
«ملتحدا» : هو المكان الآمن وهو من أصل (لحد) ، وتعني الحفرة المتطرفة ، كالذي يتّخذ للأموات في عمق القبر حتى لا ينهال التراب على وجه الميت ويطلق على كل مكان يلجأ ويطمأن إليه.
ومن الملاحظ أنّ الآية : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) وقد جعلت الضرّ في قابل الرشد ، لأنّ النفع الحقيقي يمكن في الهداية ، كما في حديث الجن في الآيات السابقة إذ اتّخذ الشرّ في قبال الرشد ، والاثنان متماثلان معا.
ويضيف في الآية الأخرى : (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ) (٢) ، وقد مرّ ما يشابه هذا التعبير مرارا في آيات القرآن الكريم ، كما في الآية (٩٢) من سورة المائدة : (أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ).
وكذا في الآية (١٨٨) من سورة لأعراف : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا
__________________
(١) قيل في سبب نزول هذا الآية : إن كفار قريش قالوا للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عد إلى ديننا لنجيرك فنزلت الآية جوابا على قولهم (تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج ١١ ، ص ٢٩٣).
(٢) بما أن البلاغ يتعدى بـ (عن) فقد قال البعض : إن (من) بمعنى (عن) ويتعلق بمحذوف تقديره (كائنا) فيكون المعنى (إلا بلاغا كائنا من الله).