اضطراب العين ودورانها من شدّة الخوف والرعب (وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ).
ذكرت معان متعددة للمفسّرين في ما يراد بالجمع بين الشمس والقمر ، فقيل هو اجتماعهما ، أو طلوعهما كليهما من المشرق وغروبهما من المغرب ، وقيل اجتماعهما بعد زوال نوريهما (١) ويحتمل أن ينجذب القمر تدريجيا بواسطة الشمس وباتجاهها ثم اجتماعهما معا بعد ذلك ، وينتهي بالتالي ضياؤهما.
على كلّ حال فقد أشير هنا إلى ظاهرتين من أهم الظواهر الانقلابية لأواخر الدنيا ، أي إلى زوال نور القمر واجتماع الشمس والقمر مع البعض ، وهو ما أشير إليه في الآيات القرآنية الأخرى أيضا ، فيقول تعالى في سورة التكوير : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) أي إذا أظلمت الشمس ، ونعلم أن ضوء القمر من الشمس ، وعند ما يزول نور الشمس يزول بذلك نور القمر ، وبالتالي تدخل الكرة الأرضية في ظلام دامس وعتمة مرعبة.
وبهذه الطريقة والتحول العظيم ينتهي العالم ، ثم يبدأ بعث البشرية بتحول عظيم آخر (بنفخة الصور الثانية والتي تعتبر نفخة الحياة) فيقول الإنسان في ذلك اليوم : (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) (٢).
أجل ، الكفرة والمذنبون الذين كذبوا بيوم الدين يبحثون عن ملجأ في ذلك اليوم لشدّة خجلهم ، ويطلبون سبل الفرار لثقل خطاياهم وخوفهم من العذاب ، كما كانوا يبحثون عن طريق الفرار في الدنيا عند ما كانوا يواجهون حادثة خطيرة ،
__________________
والنظر بدهشة إلى نقطة وغالبا ما تكون علامة الرعب ، وهناك شواهد كثيرة على هذا المعنى في أشعار العرب تشير إلى إبراق البصر يراد به التحير ، والتفسير الأول أوجه.
(١) يقول الطبرسي في «مجمع البيان» الجمع ثلاثة أنواع : جمع في المكان ، وجمع في الزمان ، وجمع الأوصاف في الشيء الواحد (كاجتماع العلم والعدالة في الإنسان) ولكن الجمع الذي يراد به اشتراك شيئين في الصفة كزوال نوريّ القمر والشمس معا هو تعبير مجازي (إذ لا بدّ من الاستفادة من القرينة) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٩٥.
(٢) «المفر» : اسم مكان من الفرار ، واحتمله البعض الآخر مصدرا ولكنه بعيد.