ويتضح جواب هذا السؤال بالالتفات إلى أنّ الأبرار يسلكون السبيل على كل حال إلى الله تعالى ، وإذا كانوا يخافون من عذاب يوم القيامة فإنّما هو لأنه عذاب إلهي ، وهذا هو ما ورد في الفقه في باب النية في العبادة من أنّ قصد القربة في العبادة لا ينافي قصد الثواب والخوف من العقاب أو حتى اكتساب المواهب المادية الدنيوية من عند الله (كصلاة الاستسقاء) ، لأنّ كل ذلك يرجع إلى الله تعالى ، كالداعي على الداعي ، رغم أنّ أعلى مراحل الإخلاص في العبادة تمكن في عدم التعلّق بنعم الجنان أو الخوف من الجحيم ، بل يكون بعنوان (حبّ الله).
والتعبير بـ (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) شاهد على أنّ هذا الخوف من الله.
والجدير بالذكر أنّ الوصف الثاني والخامس من الأوصاف الخمسة ، يشيران إلى مسألة الخوف. غاية الأمر أنّ الكلام في الآية الأولى عن الخوف من يوم القيامة ، وفي الثانية الخوف من الله في يوم القيامة ، ففي مورد وصف يوم القيامة في أنّ شرّه عظيم ، ووصفه في مورد آخر بأنّه عبوس وشديد ، وفي الحقيقة فإنّ أحدهما يصف عظمته وسعته والآخر شدّته وكيفيته.
وأشارت الآية الأخيرة في هذا البحث إلى النتيجة الإجمالية للأعمال الصالحة والنيّات الطاهرة للأبرار فيقول : (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً).
(نضرة) : بمعنى البهجة وحسن اللون والسرور الخاص الذي يظهر عند وفور النعمة والرفاه على الإنسان ، أجل ، إنّ لون وجودهم في ذلك اليوم يخبر عن الهدوء والارتياح ، وبما أنّهم كانوا يحسّون بالمسؤولية ويخافون من ذلك اليوم الرهيب ، فإنّ الله تعالى سوف يعوضهم بالسرور وبالبهجة.
وتعبير «لقاهم» من التعابير اللطيفة والتي تدلّ على أنّ الله سوف يستقبل ضيوفه الكرام بلطف وسرور خاص وأنّه سوف يجعلهم في سعة من رحمته.
* * *