ينطق اللسان بكلمات الحسرة والندم والأسف الشديد.
ثمّ يكرر تعالى في نهاية هذا المقطع قوله : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).
في المقطع الآخر يوجه الخطاب إلى المجرمين ليحكي عمّا يجري في ذلك اليوم فيقول تعالى : (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) جمعنا في هذا اليوم جميع البشر من دون استثناء للحساب ، وفصل الخصام في هذه العرصة والمحكمة العظمى.
ويقول : والآن إذا كان لكم قدرة على الفرار من العقاب فاعملوا ما بدا لكم :
(فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) (١).
هل يمكنكم الهرب من دائرة نفوذ حكومتي؟
أو هل يمكنكم التغلّب على قدرتي؟
أو هل تستطيعون دفع الفدية لتتحرروا؟
أو أنّ لكم القدرة على أن تخدعوا الملائكة الموكلين بكم وبحسابكم؟
اعملوا ما بدا لكم ولكن اعلموا أنّكم لا تستطيعون!!
في الحقيقة إنّه أمر تعجيزي ، أي أنّ الإنسان يعجز أمام هذا الأمر ، كالذي جاء في شأن القرآن المجيد حيث يقول تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ).
(كيد) : على وزن (صيد) يقول الراغب في مفرداته : هو نوع من الاحتيال ، ويكون أحيانا مذموما ، وأحيانا ممدوحا ، وإن كان الغالب استعماله في الذم (كما هو الحال في الآية محل بحثنا).
ومن الطبيعي أنّهم لم يستطيعوا شيئا في ذلك اليوم ، لأنّ ذلك اليوم تنقطع فيه جميع الأسباب والوسائل أمام الإنسان ، كما ورد في الآية (١٦٦) من سورة
__________________
(١) النون في (فكيدون) مكسورة وجاءت الكسرة محل ياء المتكلم ، وأصلها (فكيدوني) فحذفت الياء وبقيت الكسرة لتدل على الياء ، وضمير المتكلم يعود إلى ذات الله المقدّسة طبقا لظاهر الآيات ، واحتمال رجوعه إلى شخص النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعيد جدّا.