وبنظرة دقيقة إلى مجموع آيات السورة وسياق طرحها ، وما ذكرته الآيات اللاحقة من ملامح القدرة الإلهية بعرض بعض مصاديقها في السماء والأرض ، وبعد هذا العرض تؤكّد إحدى الآيات ، (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) ثمّ مخالفة وعدم تقبل المشركين لمبدأ «المعاد» ، كل ذلك يدعم التّفسير الأوّل القائل : بأنّ النبأ العظيم هو يوم القيامة.
«النبأ» : كما يقول الراغب في مفرداته : خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن ، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمّن هذه الأشياء الثلاثة (١).
فوصف «النبأ» بـ «العظيم» للتأكيد على أهميته ، وللبت بأنّ ما يشك فيه البعض إنّما هو : أمر واقع ، بالغ الأهمية ، خطير .. وكما قلنا فهذا المعنى يناسب كونه يوم القيامة أكثر ممّا يناسب بقية التفاسير.
وربّما كانت جملة «يتساءلون» إشارة إلى الكفّار دون غيرهم ، لأنّهم كثيرا ما كانوا يتساءلون فيما بينهم بخصوص «المعاد» ، وما كان تساؤلهم لأجل الفحص والتحقيق وصولا للحقيقة ، بل كان لغرض التشكيك لا أكثر.
وثمّة احتمال آخر : كون تساؤلهم كان موجها إلى المؤمنين عموما ، أو إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصّة (٢).
وقد يتساءل أنّه إذا كان «النبأ العظيم» هو يوم القيامة ، فلما ذا يقول القرآن الكريم : (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) ، وفي علمنا أنّ الكفار مجمعون على إنكاره؟؟
__________________
(١) مفردات الراغب ، مادة (نبأ).
(٢) مع أنّ باب (التفاعل) غالبا ما يشير إلى الفعل المقابل ، إلّا أنه ـ أحيانا ـ قد يعطي معنى الفعل الثلاثي المجرّد أو معان أخرى .. (وذكر بعض أهل اللغة خمسة معان للتفاعل :
١ ـ اشتراك اثنين أو أكثر في فعل ما.
٢ ـ المطاوعة ، مثل (تباعد).
٣ ـ إظهار خلاف الواقع ، مثل (تمرض).
٤ ـ الوقوع التدريجي ، مثل (توارد).
٥ ـ معنى فعل ثلاثي ، مثل (تعالى) بمعنى (علا).