والجواب : أنّ المشركين لا يقطعون في إنكارهم للمعاد بشكل جازم ، والكثير منهم يعتقدون بصورة إجمالية ببقاء الروح بعد البدن ، وهو ما يسمى بـ (المعاد الروحاني).
أمّا بخصوص (المعاد الجسماني) ، فالمشركون ليسوا على وتيرة واحدة في إنكاره ، فهناك من يظهر الشكّ والتردد ، كما تشير إلى ذلك الآية (٦٦) من سورة النحل .. وهناك من ينكر المعاد الجسماني بشدّة حتى دفعهم جهلهم وعنادهم لأن ينعتوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (والعياذ بالله) بالجنون لقوله بالمعاد الجسماني ، وقد عرفوه تارة أخرى بالكاذب على الله! كما أخبرت بذلك سورة سبأ في الآيتين (٧ و٨) ..
وعليه ، فاختلاف المشركين في «المعاد» أمر واقع ولا يمكن إنكاره.
ويضيف القرآن قائلا : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) (١) ، فليس الأمر كما يقولون أو يظنون.
ويجدد التأكيد : (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ).
فسيعلمون في ذلك اليوم الواقع حتما : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) (٢) ، يوم ينهال العذاب الإلهي على الكافرين فيقولون بصرخات مستغيثة : (هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) (٣).
بل وإنّ طلب العودة إلى الحياة لجبران خطيئاتهم سيطرح في أولى لحظات الموت ، حين تزال الحجب عن عين الإنسان فيرى بأمّ عينيه حقيقة عالم الآخرة ، فيستيقن حياة البرزخ والمعاد ، ولا يبقى عنده إلّا أن يقول : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) (٤).
«السين» في «سيعلمون» حرف استقبال (يستعمل للمستقبل القريب) ، وهو
__________________
(١) المعروف بين أوساط علماء اللغة بأن «كلّا» حرف ردع ، ولكنّ ثمّة من قال باستعمالات أخرى لهذا الحرف ولكنها نادرة ، وهي : أ ـ حرف تأكيد. ب ـ بمعنى (ألا) الاستفتاحية. ج ـ حرف جواب بمنزلة (نعم). (راجع مجمع البحرين وكتب اللغة).
(٢) الزمر ، الآية ٦.
(٣) الشورى ، الآية ٤٤.
(٤) المؤمنون ، ٩٩ ـ ١٠٠.