الأدلة الإلهية في عالم التكوين والتشريع ، إنّما تستحق أشدّ العقوبات المخبر عنها في القرآن الكريم.
ينبه القرآن الطغاة على وجود الموازنة بين الجرم والعقاب في العدل الإلهي ، فيقول : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) (١).
فلا تظنوا أنّ شيئا من أعمالكم سيبقى بلا حساب أو عقاب ، ولا تساوركم الشكوك بعدم عدالة العقوبات المقررة لكم.
فما أكثر الآيات القرآنية التي تحكي عن حقيقة ضبط إحصاء كلّ ما يبدر من الإنسان ، سواء كان من الأعمال الصغيرة أم الكبيرة ، سرية أم علنية ، بل ويخضع لذلك حتى عقائد ونيّات المرء.
وفي هذا المجال ، يقول القرآن : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) (٢) .. وفي موضع آخر يقول : (إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) (٣) ..
وفي مكان آخر يقول : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) (٤).
ولذلك يصرخ المجرمون بالقول : (يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) (٥) ، حينما يستلمون كتابهم الحاوي على كلّ ما فعلوه في الحياة الدنيا.
وممّا لا شك فيه ، أنّ إدراك حقيقة الآيات الرّبانية بكامل القلب ، سوف يدفع الإنسان لأنّ يكون دقيقا في جميع أعماله ، وسيكون اعتقاده الجازم بمثابة السدّ المنيع بينه وبين ارتكاب الذنوب ، ومن العوامل المهمّة والمؤثرة في العملية التربوية.
__________________
(١) «كلّ» : مفعول به لفعل مستتر يدل عليه الفعل «أحصيناه». و «كتابا» : مفعول مطلق لأحصينا ، لأنّه بمعنى كتبنا ، واعتبره البعض : حالا.
(٢) القمر ، ٥٢ و٥٣.
(٣) يونس ، ٢١.
(٤) سورة يس ، ١٢.
(٥) الكهف ، ٤٩.