وثمّة احتمالات بخصوص ضمير «فيها».
الأوّل : إنّه يعود إلى الجنّة.
الثّاني : إنّه يعود إلى الكأس.
فعلى الاحتمال الأوّل ، يكون معنى الآية إنّ أهل الجنّة لا يسمعون فيها لغوا ، كما جاء في الآيتين (١٠ و١١) من سورة الغاشية : (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً).
وعلى الاحتمال الثّاني ، يكون معنى الآية : إنّه سوف لا يصدر اللغو والهذيان والكذب من أهل الجنّة بعد شرابهم ما في كأس الجنّة من شراب ، كما جاء في الآية (٢٣) من سورة الطور : (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ).
وعلى أيّة حال ، فالجنّة خالية من : الأكاذيب ، الهذيان ، التهم ، الافتراءات ، تبرير الباطل ، بل وكلّ ما كان يؤذي قلوب المتقين في الحياة الدنيا .. إنّها الجنّة! وخير تصوير لها ما جاء في الآية (٦٢) من سورة مريم : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً).
وفي آخر المطاف يذكر القرآن الكريم تلك النعمة المعنوية التي تفوق كلّ النعم علوّا : (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً). (١)
وأيّة بشارة ونعمة أسمى وأجل ، من أن أكون وأنا العبد الضعيف ، موضع ألطاف وإكرام الله جلّ وعلا ، فيطعمني ويكسوني ويغرف عليّ بنعمه التي لا تحصى عددا ولا تضاهى حبّا وكرما ، وفطوبى للمؤمنين في دار الخلد وهم منعمون بكل ما لذّ وطاب.
والتعبير بكلمة «ربّ» مع ضمير المخاطب ، وكلمة «عطاء» ، لتبيان ما أودع من لطف خاص في النعم التي وعد بها أهل التقوى.
__________________
(١) «جزاء» : حال لإعطاء النعم التي ذكرت في الآيات السابقة ، فيكون التقدير : أعطاهم جميع ذلك جزاء من ربّك ، واحتمل البعض : إنّه مفعول مطلق لفعل محذوف ، واعتبره آخرون : إنّه مفعول لأجله ، لكنّ التّفسير الأوّل أقرب.